“الأستاذ الدكتور أحمد الضبيب: رحلة عطاء متعدد.. حيث الفكر يبني والتراث يضيء والإدارة تنجز”
بقلم: الأستاذ الدكتور بكر إسماعيل الكوسوفي
E-mail: [email protected]
تصدير: بمناسبة تكريم مجلس التعاون الخليجي لعالم جليل
يسعدني ويشرفني أن أتقدم بأصدق مشاعر التهنئة والتبريك للأستاذ الدكتور أحمد بن محمد الضبيب، بمناسبة تكريم مجلس التعاون الخليجي له.
إن هذا التكريم هو اعتراف مستحق، وتقدير واجب، ووفاء جميل لعالم جليل وقف حياته على خدمة الثقافة والعلوم العربية، تأليفًا وتحقيقًا وتعليمًا وإدارة رشيدة. لقد كان الدكتور الضبيب بحق ركنًا من أركان النهضة الفكرية في المملكة العربية السعودية والعالم العربي، يجمع في مسيرته بين سلطة العلم وسلاح الأصالة، وبين عمق التخصص واتساع الرؤية.
إن تكريم مجلس التعاون الخليجي، وتقدير زملائه في مجمع اللغة العربية ، ما هو إلا انعكاس لجميل أثره وعظيم خدمته. لقد خدم الدكتور الضبيب رسالته بكل أمانة وإحساس عالٍ بالمسؤولية، ووقف حياته عبر مسيرته العطرة لخدمة لغتنا الأم العربية الفصيحة بكل كفاية واقتدار، في التحقيق والبحث والمجالس العليا وصناعة السياسات.
إن الكلمات لتقصر عن وفاء حقه، وتقدير فضله، ولكنها تبقى نابعة من قلب ممتن لرجل لم يدخر جهدًا في خدمة علمه وأمته. حفظ الله عالمنا الجليل، وأطال في عمره، وملأه بالصحة والعافية، ومتعه بموفور العلم والعمل، وجعل هذا التكريم حافزًا لمزيد من العطاء.
تقديم: سياق المقال وأهدافه
يأتي هذا المقال الأكاديمي استجابة لرغبة الدكتور بكر إسماعيل في تقديم دراسة شاملة ومحايدة لتقييم المسيرة العلمية والفكرية للأستاذ الدكتور أحمد بن محمد الضبيب.
اعتمدت الدراسة على سيرته الذاتية المفصلة، بهدف تحليل أثره المتعدد في الحياة الفكرية والأدبية والعلمية والثقافية والسياسية في المملكة العربية السعودية والعالم العربي.
وسينطلق المقال من تأطير مسيرة الضبيب النظرية والميدانية، ليخلص إلى تقييم شامل لإسهاماته وموقعها في المشهد الثقافي المعاصر.
الملخص
تتناول هذه الدراسة السيرة العلمية والعملية للأستاذ الدكتور أحمد بن محمد الضبيب، بوصفه نموذجًا للمفكر والأكاديمي والإداري الذي جمع بين التخصص الدقيق في اللغة العربية ولهجاتها، والاهتمام بالتراث تحقيقًا وتأصيلًا، والإسهام في بناء المؤسسات العلمية والثقافية في المملكة العربية السعودية.
تتبع الدراسة مسيرته منذ نشأته في مكة المكرمة، ومراحل تعليمه في المدينة المنورة والقاهرة وليدز، وتدرجه الوظيفي في جامعة الملك سعود حتى أصبح مديرًا لها.
كما ترصد الدراسة أبرز إسهاماته الأكاديمية من خلال مؤلفاته وبحوثه المحكمة، ودوره في تأسيس جمعيات ومتاحف تراثية، ومشاركته في المجالس والهيئات العليا داخل المملكة وخارجها، وصولًا إلى تقييم أثره في الحياة الفكرية والأدبية والعلمية والثقافية، وتسليط الضوء على رؤيته في قضايا اللغة والتراث والهوية في عصر العولمة.
الفصل الأول: النشأة والتكوين العلمي – من مكة إلى ليدز
1. النشأة في بيئة العلم والتراث
وُلد الدكتور أحمد بن محمد الضبيب في مكة المكرمة عام 1935م، ونشأ في المدينة المنورة، وهي بيئة غنية بالتراث النبوي والإسلامي، مما غرس فيه منذ الصغر حسًّا تاريخيًّا واهتمامًا بالتراث. أكمل تعليمه الابتدائي والثانوي في المدينة المنورة، مما أهله لمواصلة رحلته العلمية خارج المملكة.
2. الرحلة العلمية
o مرحلة القاهرة: حصل على البكالوريوس من جامعة القاهرة عام 1960م، حيث تشرب مناهج النقد الأدبي والتحقيق التراثي في إحدى أعرق المؤسسات الأكاديمية العربية.
o مرحلة ليدز: نال درجة الدكتوراه من جامعة ليدز البريطانية عام 1966م برسالة عنوانها “دراسة نقدية للأمثال العربية القديمة في كتاب مجمع الأمثال للميداني”، وهي دراسة مثلت جسرًا بين المنهجية الغربية والتراث العربي الأصيل، وأظهرت قدرته على الحوار مع الفكر الاستشراقي بأدوات نقدية علمية.
الفصل الثاني: المسيرة الأكاديمية والإدارية – بناء جامعة الملك سعود
1. التدرج الأكاديمي:
بدأ معيدًا في جامعة الملك سعود (1960م)، وتدرج حتى نال رتبة أستاذ عام (1978م).
تولى رئاسة قسم اللغة العربية (1972م)، وأسهم في تطوير المناهج وتوجيه البحث العلمي.
2. الدور الإداري المؤسسي:
o عميد شؤون المكتبات (1974–1980م): أحدث نقلة نوعية في نظام المكتبات الجامعية.
o وكيل الجامعة للدراسات العليا والبحث العلمي (1985–1990م): ساهم في تطوير برامج الدراسات العليا وترسيخ ثقافة البحث العلمي.
o مدير جامعة الملك سعود (1990–1996م): ذروة عطائه الإداري، حيث قاد الجامعة بوعي مؤسسي وتخطيط علمي حديث.
الفصل الثالث: الإسهامات العلمية والفكرية – بين التحقيق والتأصيل
1. في مجال التحقيق التراثي:
أبدع في الجمع بين الدقة الأكاديمية والاهتمام بالمواد التراثية، ومن أبرز أعماله:
o تحقيق “كتاب الأمثال” لمؤرج السدوسي (1970م).
o تحقيق “الأمثال الصادرة عن بيوت الشعر” للأصفهاني (قيد الطبع).
o تحقيق “مجمع الأمثال” للميداني (قيد الطبع).
2. في الدراسات اللغوية واللهجات:
o “دراسات في لهجات شرقي الجزيرة العربية” (1975م).
o “بواكير الطباعة والمطبوعات في بلاد الحرمين” (1987م).
3. في النقد والثقافة:
o “على مرافئ التراث” (1981م).
o “الأعمش الظريف” (1981م).
o “أوراق رياضية” (1994م).
4. سلسلة “حركة إحياء التراث”:
مقالاته في مجلة الدارة (1975–1990م) تمثل مشروعًا فريدًا في توثيق مسيرة النهضة العلمية في المملكة.
الفصل الرابع: الأثر الفكري والثقافي – بناء المؤسسات وصناعة السياسات
1. التأسيس للمؤسسات الثقافية:
o أسس جمعية اللهجات والتراث الشعبي (1966م).
o أنشأ متحف التراث الشعبي (1967م).
2. المجالس والهيئات العليا:
كان عضوًا فاعلًا في أكثر من سبعة عشر مجلسًا وهيئة عليا، منها المجلس الأعلى للآثار، المجلس الأعلى للإعلام، مجلس التعليم العالي، كما شغل منصب الأمين العام لجائزة الملك فيصل العالمية (1977–1986م)، مسهمًا في تأسيس معاييرها الأكاديمية.
3. الدور الإعلامي والتوعوي:
من خلال مقالاته ومداخلاته الإذاعية والتلفزيونية، ساهم في نقل الفكر الأكاديمي إلى المجال العام.
الفصل الخامس: الحضور المحلي والدولي – جسر بين الثقافات
1. العضوية في المجامع والمؤسسات الدولية:
o عضو عامل في مجمع اللغة العربية بالقاهرة منذ 2004م.
o عضو أكاديمية المملكة المغربية منذ 1980م.
o عضو المجلس الاستشاري لمركز الدراسات العربية بجامعة جورج تاون.
2. المشاركة في المؤتمرات الدولية:
شارك في مؤتمرات المستشرقين الدولية (ميتشجن 1967م، باريس 1973م) ومؤتمرات الاتحاد العالمي للمكتبات (أوسلو، سيؤول، كوبنهاجن)، مسهمًا في بناء جسور ثقافية بين العالمين العربي والغربي.
الخاتمة والتقييم
تمثل مسيرة الأستاذ الدكتور أحمد الضبيب نموذجًا فذًّا للمثقف العضوي الذي وظف علمه لخدمة قضايا أمته.
يمكن تلخيص أثره في أربع سمات رئيسة:
1. الأكاديمي المتخصص: عمق في البحث واللغة واللهجات.
2. الإداري المؤسس: رؤية في تطوير الجامعات والمؤسسات.
3. المفكر المنخرط في قضايا العصر: مواجهة تحديات العولمة الفكرية واللغوية.
4. الجسر الثقافي بين الشرق والغرب: تقديم التراث العربي بمنهجية عالمية.
لقد كان الدكتور الضبيب بحقّ رجل مرحلة التأسيس والتطوير في المملكة، حيث جمع بين سلطة المعرفة وسلطة الموقع، ليكون أحد أبرز مهندسي المشهد الثقافي والعلمي السعودي الحديث.
كلمة من الكاتب
تشرفت بمعرفة الأستاذ الدكتور أحمد الضبيب عن قرب خلال عملي الأكاديمي والدبلوماسي في المملكة العربية السعودية، فكان لي أخًا كبيرًا، وناصحًا أمينًا، وعالمًا مخلصًا لوطنه وأمته.
دعم قضية كوسوفا بصدق ووعي، وكان من أوائل من عرّفوا بي في الأوساط الأكاديمية والعلمية في الرياض، وقدّر نضال شعبي في سبيل الحرية والاستقلال.
ونحن نلتقي دائماً بانتظام في مجمع اللغة العربية بالقاهرة، باعتبارنا أعضاء فيه، ويحدثني عن حبه لشعب كوسوفا واحترامه لثقافتهم.
لهذا، أهدي إليه هذه الدراسة والقصيدة التالية، عربون وفاء وتقدير لعالم جليل جمع بين العلم والخلق، وبين الفكر والعطاء.
قصيدة الإهداء: تحية إلى الدكتور أحمد الضبيب
بقلم: د. بكر إسماعيل الكوسوفي
يا ابنَ مكّةَ، يا سليلَ المعاني
وحفيدَ الضادِ في المجدِ الهاني
يا رفيقَ الحرفِ، يا نبعَ علمٍ
قد سقيتَ الفكرَ درًّا وبياني
كلّ دربٍ في الرياضِ يُنادي
خطوَك الواثقَ بالعزِّ الحاني
قد حملتَ الضادَ في كلّ نادٍ
مثلَ نورٍ في الليالي العِواني
يا صديقَ القلبِ، يا خيرَ نُصحٍ
يا أديبًا صاغَ صرحَ المعاني
أنتَ للعلمِ وللعربِ فخرٌ
وسراجٌ في دروبِ الأماني
تحليل أدبي نقدي لقصيدة “تحية إلى الدكتور أحمد الضبيب”
القصيدة: “تحية إلى الدكتور أحمد الضبيب”— أ. د. بكر إسماعيل الكوسوفي
“الوفاء والضاد: شعر التكريم كسجل ثقافي”
المقدمة
قصيدة “تحية إلى الدكتور أحمد الضبيب” نص تكريميّ موجز لكنه مكثّف: قِصرها لا يمنعها من أن تكون غنياً بالصور البلاغية والدلالات الثقافية والسياسية. الشاعر هنا يؤدّي دورَ الشاهد والعبدِ للوَفْد الأدبي: يصف شخصية علمية وإدارية بارزة بلغةٍ تحتفي بالعلم والهوية اللغوية (“الضاد”) وتوظف تراثَ المدح والكناية العربية. التحليل التالي يفكك النص شطراً شطرًا، ويبحث في بنائه الأسلوبي والدلالي، فيفهم كيف يعمل هذا النشيد في فضاءات الثقافة والأدب والسياسة.
قراءة وتحليل ونقد أدبي لكل بيت
البيت 1–2
يا ابنَ مكّةَ، يا سليلَ المعاني / وحفيدَ الضادِ في المجدِ الهاني
التحليل:
• المناداة (يا) تفتتح البيت بصيغة تكريم مباشر — مخاطب محدد ورفيع.
• “ابن مكّة” ليست مجرد إشارة جغرافية؛ها استعارة تسند للشاعر أصولاً دينية وثقافية (المكان بوصفه مرجعية قدسية وثقافية). ربط الشخصية بمكة يمنحها هالة تراثية وشرعية رمزية.
• “سليل المعاني” يوظف الاشتقاق (سليل ← سلالة) ليبرز استمرار المعنى والبلاغة عبر الأجيال — أي: الضبيب وريث تقاليد أدبية/لغوية.
• “حفيد الضاد” تضيف بعدًا لغويًا مفصليًا: الضاد رمز اللغة العربية نفسها. جعل الضبيب “حفيد الضاد” يؤكد مكانته كحافظٍ ومُعزّزٍ للغة.
• “في المجدِ الهاني”: خبر يصف حالة المجد بأنها سعيدة أو هانئة؛ فالجمع بين “مجد” و”هاني” يخفف النزعة الرسمية ويمنحها لمسة إنسانية.
الدلالة الأدبية-الثقافية: البيت يمهد للقصيدة كخطاب تراثي: شخصية مرتبطة بالقدسية واللغة، وبالتالي صلاحها لأن تكون قدوة ثقافية.
البيت 3–4
يا رفيقَ الحرفِ، يا نبعَ علمٍ / قد سقيتَ الفكرَ درًّا وبياني
التحليل:
• تكرار المنادى (يا) يؤكد الحميمية والوقار معًا.
• “رفيق الحرف” عبارة مجازية تضعه جنبًا إلى جنب مع المادة الأدبية نفسها: هو شريكها، ليس مجرد مستخدم.
• “نبع علمٍ” استعارة مائية إبداعية — العلم ينبع، أي متجدد ومزود.
• الفعل “سقيتَ” يربط نبع العلم بالعطاء: السقي فعل رحمة ووفرة، متماشى مع مفهوم المعلم الراعي للعلم.
• المركب الاعتراضي “درًّا وبياني”: “درًّا” (مطرًّا أو كنزًا) و”بياني” (متعلقًا بالبيان والبلاغة) يعززان أن عطاؤه ذو وقع فكري ولغوي معًا.
الدلالة البلاغية: استخدام حقول دلالية من الماء والزرع (نبع، سقي) يترجم الفعل المعرفي إلى فعل حياتي مثمر — العلم كغذاء حضاري.
البيت 5–6
كلّ دربٍ في الرياضِ يُنادي / خطوَك الواثقَ بالعزِّ الحاني
التحليل:
• “كلّ دربٍ في الرياض” توسع دائرة التأثير إلى المستوى المكاني والعملي: ليس تأثيرًا داخل الحقول الأكاديمية فقط، بل في شوارع العاصمة ومؤسساتها.
• الفعل “يُنادي” يعطي الإحساس بوجود صدى عام — الناس أو الأماكن تدعو إلى ذكر الرجل، أو تشهد له.
• “خطوَك الواثق” يصوّر الحضور الحركي: الحزم والتأنّي والاعتداد.
• “بالعزِّ الحاني” تركيب يجمع بين عفاف العزّ ونعومة الحنان؛ نادرة تلك الجملة التي تربط صرامة الموقف بالرحمة—تؤسس لشخصية قيادية متوازنة.
الدلالة الاجتماعية-السياسية: البيت يشي بأن حضوره يُسهِم في استقرار المشهد العام؛ القائد الثقافي الذي يخطو بثقة يبعث طمأنينة.
البيت 7–8
قد حملتَ الضادَ في كلّ نادٍ / مثلَ نورٍ في الليالي العِواني
التحليل:
• “قد حملتَ الضادَ” تأكيد على مهمة مستمرة: حمل اللغة مسؤولية، ليست وظيفة عرضية.
• “في كلّ نادٍ” = في كل منتدى/مجلس؛ يوسع من دلالة التأثير المؤسسي والاجتماعي.
• التشبيه “مثلَ نورٍ” تقليد بلاغي محبَّب: يشبّه دوره بضوء، والضوء هنا رمز للهداية والمعرفة والوضوح.
• “في الليالي العِواني”: الليل رمز للضبابيات، العِواني (الظلماء/العوائق) يزيد قوة التشبيه: نور يبرز في أحلك الظروف.
الدلالة البلاغية-أخلاقية: يجسد هذا البيت فاعلية الدور اللغوي/الثقافي في مواجهة الاضطراب والجهل؛ اللغة كضوء حامل للقيم.
البيت 9–10
يا صديقَ القلبِ، يا خيرَ نُصحٍ / يا أديبًا صاغَ صرحَ المعاني
التحليل:
• “صديقَ القلب” تقرّب حميميّ يعلن علاقة شخصية حميمة، ليست مجرد علاقة مهنية. هذا يعمّق مصداقية المدح.
• “خيرَ نُصحٍ” يضع القيم الأخلاقية في المقدمة: النصح هنا قيمة تربوية وسياسية—دليل على مشروعية القول وفائدته.
• “أديبًا صاغَ صرحَ المعاني”: البناء (الصرح) رمز للاستدامة والعلو. الصياغة هنا فعل خلق: الأديب لا يكتفي بالتداول، بل يبني حضارة لغوية فكرية.
الدلالة الأخلاقية-الإبداعية: يجمع البيت بين الصفة الإنسانية (الصداقة والنصح) والصفة الفنية (الأدب والبناء)، مؤكدًا أنّ المنتج الثقافي مرتبط بأخلاق المنتِج.
البيت 11–12
أنتَ للعلمِ وللعربِ فخرٌ / وسراجٌ في دروبِ الأماني
التحليل:
• الجملة الاسمية تقرر حكمًا نهائيًا: “أنتَ … فخرٌ”؛ هذا حكم إقرار وتثبيت.
• الضمير “أنت” يركّز الحوار إلى مقامه الرفيع.
• “للعربِ فخرٌ” تجعل من الدور مرآة قومية: إنجاز محليّ يصبح رمزًا جنوبًا عربيًا.
• “وسراجٌ في دروبِ الأماني” خاتمة بصرية-أخلاقية: السراج يعطي الأمل والهداية في الطريق إلى الأمنيات — قصيدة تنتهي بصورة رجائية تبعث الاستمرارية.
الدلالة الختامية: تثبيت مكانة الضبيب كرمز قومي ثقافي وكمصدر أمل وإلهام.
السمات الأسلوبية البارزة
1. المناداة المتكررة (يا): تمنح النص طابعًا خطابياً مباشراً وحميمياً.
2. الاستعارات والصور الحسية: نبع/سقي/نور/سراج — تحويل المعرفة إلى عناصر مألوفة حسّيًا.
3. التوازي والتكرار: “يا…، يا…” و”قد حملت…” يعطيان إيقاعًا بلاغيًا متينًا.
4. الاقتصاد اللفظي: قصر الأبيات لا يُضعف المعنى؛ بل يزيد من كثافته.
5. اللغة التراثية-الفصحى الرفيعة: استدعاء مفردات مثل “الضاد”، “الصَّرح”، “العِواني” يشي بالوعي البلاغي والتراثي.
6. الانزياح التركيبي (مزج الحزم بالحنان): “العزّ الحاني” — تركيب مبتكر يثري المعنى ويجعل الشخصية متعددة الأبعاد.
7. الإيحاء الديني والثقافي: الإحالات لمكة والضاد ترسّخان الإمام في سياق حضاري واسع.
الفكرة المركزية والطبقات الدلالية
• الفكرة المحورية: تكريم شخصية علمية تمثل حافظًا ومجددًا للغة والثقافة، ومثالا للتوازن بين المعرفة والأخلاق والإدارة.
• الطبقات الدلالية:
1. المدح الشخصي (العلاقة الحميمة والوفاء).
2. المطالعة الثقافية-اللغوية (الضاد كرمز للهوية).
3. البُعد المؤسسي والسياسي (الحضور في الرياض والمجالس).
4. البُعد الأخلاقي والتربوي (النصح، الصداقة، التعليم)
5. الرؤية الرجائية (السراج والدروب نحو الأماني).
تأثير القصيدة الأدبي والثقافي والفكري والسياسي
• أدبيًا: تضيف القصيدة إلى تقليد النشيد التكريمي في الأدب العربي مع لمسة حداثية في تراكيبها (مثل “العز الحاني”). تختزل بأسلوبها المختصر نموذجًا للمدح الفني الراقي، ما يجعلها مادة مرجعية في شعر التكريم المعاصر.
• ثقافيًا/هوويًا: بتعظيمها لـ”الضاد” وربطها بالشخصية، تساهم القصيدة في إبراز اللغة كقيمة مركزية، وهو فعل له أثر في الخطاب الثقافي الذي يدافع عن الهوية أمام العولمة.
• فكريًا وعلميًا: تمجد دور الأكاديمي كمُنشئ ومُعطي؛ قصيدة من هذا النوع تروّج لفكرة “العالم كمربي ومؤسس”، فتعمل تحفيزًا تجاه احترام العلم ومؤسساته.
• سياسيًا/اجتماعيًا: التكريم الشعري لشخصية لها حضور إداري ودبلوماسي يرسخ شرعية هذه الشخصيات في الوعي العام؛ القصيدة تُعد وثيقة للمكانة الاجتماعية وقد تُستخدم في سياقات رسمية لتعزيز صورة التعاون الثقافي والدبلوماسي (مثلاً في احتفالات أو منشورات مؤسسية).
• ديمومة الأثر: بلاغة القصيدة وبساطتها تجعلها قابلة للاقتباس في خطابات، صفحات تكريم، ومداخلات إعلامية؛ هكذا يزداد حضورها في الحياة العامة.
نقاط قوة النص نقديًا
• تجانس الأسلوب والمضمون: اللغة الفصيحة والرمزية تتماهى مع الهدف التكريمي.
• الاقتصاد والإيحاء: توفيق بين الإيجاز وثراء الدلالة.
• التوازن بين الخاص والعام: تحفظ العلاقة الشخصية دون أن يغيب البعد الوطني/اللغوي.
• صورة القائد المثقف: عرض مركب يجمع العلم والأخلاق والإدارة — نموذج إيجابي نادر في الشعر التكريمي المعاصر.
نقاط نقدية بناءة
1. عمق الصور الشعرية: القصيدة تعتمد أساليبٍ تصويرية تقليدية (النور، النبع)؛ توظيف صورة مبتكرة إضافية قد يميّزها أكثر.
2. الإيقاع والوزن: النص جيد لفظيًا لكن يمكن صقله إيقاعيًا ليتلاءم مع بحر شعري واضح إذا رغِبَ الشاعر في تحويله إلى قصيدة مطوّلة.
3. توسيع الأفق السردي: إدراج صور أو حدثٍ يربط الضبيب بسلسلة محددة من الفعل (مثلاً ذكر موقف علمي جسّد النصح) قد يمنح القصيدة أبعادًا سردية أقوى.
الخاتمة
قصيدة “تحية إلى الدكتور أحمد الضبيب” عمل تكريمي موجز لكنه مكتنز بالدلالات: تؤكد على وحدة الفكر واللغة والخلق. من خلال مناداتها الحميمية، وصورها البلاغية، ورمزيتها (المكان/الضاد/النور) تعرض نموذجًا للشاعر-المؤرّخ-الشاهد الذي يوثق علاقة مثقفة بين شخصين ويمدّها بصبغة قومية وثقافية. أدبيًا، تضيف القصيدة إلى سجل شعر التكريم بنسقٍ راقٍ وجميل، وثقافيًا تذكّر الجمهور بقيمة اللغة والبحث والعطاء المؤسسي. نقديًا، يمكن اقتراح تضخيم الصورة الشعرية وبعض تحسينات إيقاعية، لكن في مجمله نص فعال قادر على أن يؤثر في الدوائر الأدبية والثقافية والسياسية كسجلّ للوفاء والتكريم.
كاتب الدراسة:
الأستاذ الدكتور بكر إسماعيل الكوسوفي
السفير والممثل السابق لكوسوفا لدى بعض الدول العربية
عضو مجمع اللغة العربية – مراسل في مصر
عضو اتحاد الكتّاب في كوسوفا ومصر
E-mail: [email protected]