أبي: صانع الفضائل وباني الرجولة:
بقلم: عماد خالد رحمة _ برلين.
أبي… يا من حملت في صدرك إرادة الحديد وحكمة السنين، يا من كنت لنا المثل الأعلى والقدوة، يا من غرست في أرواحنا منذ نعومة أيدينا الأخلاق النبيلة، العزة، الشهامة، الكرم، والعطاء اللامحدود. علمتنا أن الرجولة ليست عضلات تُعرض، بل نزاهة وصدق، وأن الشجاعة مصحوبة بالرحمة، والحزم متوازن مع السماح، وأن العطاء فعل ونية قبل أن يكون مجرد لفظ أو هبة.
أبي، كنت المدرسة التي لم تُغلق أبوابها، والمكتبة التي تنضح بالحكمة، والقلب الكبير الذي يسع الجميع، والصدر الواسع الذي يستوعب كل همٍّ وحزن. غرست فينا قيم الحق والعدالة، وعلّمتنا أن المواقف الوطنية والإنسانية ليست كلاماً جميلًا على الورق، بل أفعالًا واقعية تتحمل مسؤوليتها، وأن الكرامة الحقيقية تبدأ من الداخل قبل أن تُعرض على الآخرين.
لقد أحببت فيك التوازن الذي علمتنا إياه منذ الصغر، كما قال أرسطو: “الفضيلة وسط بين الإفراط والتفريط”، وها أنت تُجسّد الوسط في كل كلمة، في كل موقف، وفي كل صمت. كنت تعلمنا أن الكرم ليس مجرد عطية، بل موقف ونية، وأن المغفرة ليست ضعفاً بل قوة، وأن العزة الحقيقية لا تُباع ولا تُشترى، بل تُصنع في النفوس عبر التربية، الحكمة، والقيم النبيلة.
أبي، بفضلك أصبحنا قادرين على مواجهة الحياة بعزة وشهامة، ونسعى دوماً للعطاء، ونزرع من حولنا الاحترام والوفاء، حاملين في صدورنا الفضائل التي غرستها فينا، لتصبح شعلة لا تنطفئ، ونبراساً للأجيال القادمة. كنت دائماً مثالًا للعقل الراجح الذي يحكم بالعدل، وللقلب الكبير الذي يغمر الجميع بالمحبة والحنان، وللمواقف الثابتة التي لا تلين أمام الضغوط أو الظروف.
أبي… لن ينسى قلبنا أثر حضورك، ولن تمحى كلماتك من ذاكرتنا، فستظل حياتك نوراً نهتدي به، وعزيمة نستمد منها القوة والصبر، ودرعاً يحمي القيم فينا. نسأل الله أن يتغمد روحك الطاهرة بواسع رحمته، وأن يملأ قبرك بالنور والسكينة، وأن يجمعنا بك في الفردوس الأعلى، حيث لا تعب ولا حزن، بل راحة أبدية وسعادة لا تزول.
رحمك الله يا أبي، وأسكنك فسيح جناته، وجعل فضائل حياتك التي غرستها فينا ذخراً لنا في الدنيا والآخرة، ووصية لنا لنكمل مسيرتك بالعقل والحكمة والشهامة، ولنحمل نورك في كل خطوة من حياتنا.


















