فِي حَضْرَةِ النِّيلِ… تَنْفُضُ مِصْرُ غُبَارَهَا
في حضرةِ النيلِ،
تنهضُ الرُّوحُ… تنهضُ كالأغنية،
تغسل المدى… تغسل غبارَ الزمان،
وتخطُّ على الماءِ… سرَّ البداية.
يا مصرُ… يا مصرُ،
يا وجهَ الضِّياءِ الذي لا يشيخ،
يا خطوةَ الفجرِ حين يُباغتُ العمر،
يا نفَسَ الحجرِ الذي يروي الحكاية…
بصوتٍ من نور.
في المتحف الكبير،
تُفتَحُ الأزمنةُ… كالأبواب،
تدخل الأجيالُ… كأنها تستعيد نفسها،
ويهمسُ الأسلافُ… في زماننا،
كأنهم يُعلّمون الحجرَ… كيف يتكلم.
تتكاثف الصورُ… تتكاثف،
فيصير النيلُ مرآةً… مرآةَ الضوء،
تطلُّ منها الأمُّ،
تحمل الغيمَ في كفِّها،
وتُرضع الحلمَ للوطن.
يا مصرُ… يا مصرُ،
يا سرَّ البقاءِ…
يا أغنيةَ الأرضِ في حنجرة الفجرِ،
ها أنتِ تولدين من جديد،
كلما قام حجرٌ… وكلما تكلمَ ضوء.
سيبقى الحلمُ مصريًّا… مصريًّا،
تحمله الأيادي… كما تحمل الأمُّ طفلها،
ويَسير الزمنُ… بنبضكِ،
يا أمَّ الدنيا… يا قلبَها الأبدي.
تنفض مصرُ غبارها…
تصحو الحجارة… تصحو،
تتنفس الضوء… كأنها تسترد أصواتَ الزمن البعيد.
يسير الحاضرُ في خُطى القدم…
تتنفس الأرواح في المشى…
تلامس وجوهَ الأطفال…
وتهمس:
هنا بقينا… وهنا سنكون،
فالقلبُ مصريٌّ… لا يغيبُ ولا يميد.
تفتح المدينةُ نورها… نورها،
تعيد ترتيب أنفاسها… أنفاسها.
تسير العيونُ في طريقٍ بين الفجرِ والنيلِ،
تسمع في الدم نبضَ الهرم…
وعطرَ القديم في الريح.
ويقف الطفل عند باب المتحف…
يمسح ترابَ النيل عن قلبه… قلبه،
ويقول:
هذه بلادي… هذه بلادي،
تكتبني كل صباح على وجه التاريخ…
وتتركني شاهدًا…
كما تترك الحجارة سرَّها في أمان الله.
سعيد إبراهيم زعلوك



















