هوية شخصية للحب
د. وضحى يونس
يرتبط الحب بالتفّاح, وتحديدا بتفاحة آدم , أمّا تفاحة نيوتن فلا ترتبط بالحب إلّا
بموضوع الجاذبية , و تفاح الحب ألوان فللتفاح الأخضر صلة بالصحّة والجمال , وللتفاح الأحمر علاقة حميمة بخدود الحسناوات
و يرتبط تفاح الحب بالندم إذ نندم أحيانا على تناوله لصعوبات في هضم آلامه, و نندم غالبا على عدم تناوله لفائدته و متعته
يرتبط الحب بالمستحيل إذ تنسب إليه بركة صنع المعجزات,و يرتبط بالمعشوق الواحد حينا , و بالتعدد أحيانا
يرتبط الحب بالحرية, و فيه الوفاء وفيه الغدر, و فيه الكذب وفيه الصدق, و قد تتسلل إليه أقنعة و طعنات و أنياب , وفيه البعد و القرب , و الظلمة والنور
الحب أوطان وهجرات, حقائب و نوافذ وأبواب
يرتبط الحب بالحيرة وينطوي على الكثير من علامات التعجب وعلامات الاستفهام
يرتبط الحب بالزلازل والبراكين و فيه الكثير من مثلثات برمودا و ثقوب الأوزون و البحار المالحة, والمياه الحلوة العذبة
يرتبط الحب بالقدر, و يتذبذب بين اللقاء و الفراق , وله دورات تكاد تطابق الدورة الدموية
يرتبط الحب بالشعر والنثر, و ديدنه كتابة الرسائل , و لحظاته كلها مقطوفة عن شجرة الأبدية
يرتبط الحب بالجنة والنار معا, لما فيه من أنهار عسل و شياطين تعذّب . و ملائكة تتعذب
والحب يعقد القران بين الفرح و الحزن . و بين الذكرى و النسيان .
لأجله تؤلف الروايات, والنوتات , وترسم اللوحات
يسكن الحب في بناء التنهيدات, ويسبح في بحر الدموع
لأجله و به ينشغل الأطباء النفسيون بحلّ عقد الرجال و النساء. و كرمى لعينيه تشذّب و تقلّم الأشجار
للحب كراهيته , ونرجسيته . و محاولاته الدؤوبة لتجميل ملامحنا الجسدية و عوالمنا الروحية
و الحب صديق المزاجية و بينه و بين الأجنحة مقصّات و سكاكين . ويظل على عراك بين القيود و نسيم الحرية
في المنفى يتعّرف الحب على امرأة تدعى (الكتابة ) و من أجلها لا يمتطي إلّا حصان طروادة
هواياته المراهنات و ليس لديه خطوط حمر ولا تقف في وجهه أسلاك شائكة ,و لا تثنيه تناقضات
من طبيعته الأمطار والعواصف و أقواس قزح . و كم يحلق في سمائه البوم والغربان . يتصارع جمره مع رماده . و يتداخل موته مع حياته . و يحمل في ذاته أطلاله و ذكرياته
بيوته واهنة كبيوت العنكبوت لكنها قوية كخلود الدهر
الحب و لا شيء غيره هو الكلمة التي كانت في البدء, و هو المخترع الأول للأبجديات و أوطانها
أجمل الحب غير المتشابه منه. و المجهول . و حب الأعالي و الأعماق . و حب الآباء و الأمهات
الحب شيخ الشباب . وزينتهم والحب امرأة تجمع في ذاتها كل النساء
للحب تتمة لم يستطع ان يقلها أوفيد في ( فن الحب) و لا أفلاطون في( المائدة) و لا ابن حزم في (طوق الحمامة ) و لا كل من كتب عن هذه العاطفة الجذابة التي تملك معجزة تحويل الماضي إلى مستقبل و تشعل نار الذكريات من رماد النسيان
لا يصحّ الحب حتى تطلق أسماء العشاق على الأماكن و تتحول الجغرافيا المهملة إلى أوطان
علاقات الحب واسعة ,ومتعددة, متشعبة , له علاقة بالرجال و سلطتهم , و بالنساء و مخاوفهن , و له علاقة بالسجون و الثكنات , بالمدارس والحدائق
ببيوت العبادة . و مقاهي المثقفين , و له علاقة بالحروب و السلام , والقضايا الوطنية , والمؤامرات . والمكائد. و رؤوس الأموال . و أقدام الفقراء المتنكسة بأوجاع المفاصل
للحب علاقة بالشواطئ , و النجوم, و الفراشات. و العصافير, و الألحان, و الأغاني بالشمس, و قوس قزح ,و الصحو, والغيوم
الحب أشباح حقيقية و رجال مستحيلون و حكايات خيالية
الحب حديقة تروض فيها الحيوانات المفترسة لتصبح أليفة و رومانسية وتدرّب الطيور الجارحة لتصبح عصافير مغردة و حسب
الحب تعاقب الليل و النهار, و دوران الكواكب ,و رحلة الأوكسجين
الحب ذاتيّ و غيريّ في آن معا, و مع ذلك تصعب عليه الموضوعية
لعلّ طائر الزئبق المتطاير هو والد الحب, و الزنبقة أمه ,و السنونو أولاده , و النوارس أحفاده ,و الأمواج صديقاته, و المرافئ أصدقاؤه ,و المنارات مساقط رأسه ومنابره ,ومقابره
جسوره ممدود بين الجسد و الروح
لذلك يتعرّض دوما للانقطاع ,و الوقوع تحت وطأة اقدام عشاق تائهين
لا أحد يعرف إذا ما كان الحب دمشقيّا أم بغداديّا أم هو قربان رمي في قلب نهر النيل ,أم هوأضحية على مذبح السمرة الإفريقية ,أم شمس تهوى الأفول في المغرب العربي و البزوغ من الشرق الأقصى
لا احد يعرف ما إذا كان تمثالا من شمع
أم كيمياء و سحرا ففي عالمه يصغر الكبار ويكبر الصغار والغيوم العصيّة دموع مستباحة
هل هو حضانة ,أو دار أيتام ,أو دار للمسنّين الطاعنين في الطفولة ,أو هو موت يفتّر باسما كأنه الحياة



















