هي إبنة بيروت، الكاتبة والناقدة اللبنانية غادة عليكلش، التي كان لمقالاتها النقديّة الدور البارز لأكثر منعشرين عامًا، في مجلة الكفاح العربي. لها ستة أعمالأدبية تجمع بين النص والخواطر التأمليّة، من “مداراتالروح” إلى “عصافير القضبان” و”مركزية الأنا” و”عكس الريح” و”الطيف والأثر”، وصولا إلى “مصباحالشذرات” الصادر حديثا في القاهرة .
هي أيضا عضو في اتحاد الكتّاب اللبنانيين، وقد حازتجائزة وزارة الثقافة اللبنانيّة في العام ٢٠٠٠ تقديرًالعطاءاتها الثقافيّة.
واليوم تواصل نشاطها الإبداعيّ في النادي الثقافيالعربي في بيروت، وفي كتابة المقالات الأدبيّة حيث تشاركالقارئ روعة إبداعاتها.
كان لي شرف حوارها عبر منبر الثقافة مجلة أزهار الحرفالصادرة عن ملتقى الشعراء العرب.
إليكم تفاصيل الحوار:
١.عملتِ في مجلة الكفاح العربي مدّة عشرين عامًا، كيفتصفين تجربتك، وما أبرز ما بقي محفورًا في ذاكرتك فيتلك المرحلة؟
ج: كانت للحقيقة تجربة مهمة جدا، تغتني بمحطات جوهرية،أكسبتني على مدى عشرين عاما من العمل في القسم الثقافي لمجلة الكفاح العربي، دربة أكثر عمقا في الكتابة النقدية، وتمرّسا أكثر دقة في أدوات الحوار. كما وأعطتني فُرَصًا كبيرة في اللقاء بعدد من مشاهير الادب والشعر والمسرح والرواية والفن التشكيلي،وحتى الفن الغنائي والتلفزيوني. أذكر منهم الشاعر العراقي الكبيرعبد الوهاب البياتي، والروائيات إملي نصرالله، ليلى عسيران، ليلى العثمان. والمؤرخ نقولا زيادة، والفنان المخضرم منصور الرحباني، والموسيقار توفيق الباشا. كما اذكر المطربة الكبيرة صباح وماجدة الرومي وسميرة توفيق ونهاد فتوح. حاورت عشرات الشخصيات المشهورة، لا سبيل لتِعدادها هنا، وكتبتُ عن مئات الكتب على مدى عقدين من الزمن. وأنا اليوم أنشر في صفحتي على الفيسبوك حلقات مهمة، أكتب فيها أبرز المواقف التي حدثت معي، منذ وطِئتْ قدماي مكاتب مجلة “الكفاح العربيّ” في العام 1990، وصولا إلى العام 2012.
٢.لديك ستة أعمال أدبيّة ما بين الخواطر والنصوصالادبية والفكرية، أيّ عمل هو الأقرب إلى روحك ولماذا؟
ج: معظم الكتّاب بالعادة، يعتبرون أنّ أول عمل لهم هو الأقرب إليهم. بالنسبة إليّ، لقد كان كتابي الرّابع وعنوانه” عكس الرّيح” الصادر عن دار درغام للنشر في العام 2009 ،هو الأقرب إلى روحي، ذلك لأنه حوى في قسمه الأول مقتطعات من سيرتي الذاتية، وهذه المقتطعات لم تكن بشكل سرديّ متواصل، بل كانت بشكل نصوص مستقلة، فكلّ نصّ كان يحكي عن تجربة مختلفة، وكل تجربة كانت بآلامها ومؤثراتها، مغايرة للنصوص الاخرى. ولا أغالي حين أقول إنّ معظم الذين قرأوه تأثروا كثيرا به، ومنهم من بكى من شفافية الاسلوب ومن مرثيات المضمون. ولأنني مولعة بكتابة الخواطر ولي في هذا الفن الادبي لغاية اليوم، ما يفوق السبعمائة خاطرة، فقد خصّصتُ لكل نصّ من هذا الكتاب خاطرة من تأليفي تحاكي مسار الحدث فيه.
٣.حزتِ، في العام ٢٠٠٠، جائزة وزارة الثقافة اللبنانية. هل تكفي الجوائز لتقدير المبدعين برأيك ؟
ج: الجائزة التي قدمتها إليّ وزارة الثقافة اللبنانية في ذلك العام، لم تكن عن كتبي ونتاجي الادبي، بل كانت عن عطائي الواسع والمتواصل في مهنة الصّحافة، فالمكرمون معي آنذاك، كانوا مثلي يكتبون في الاقسام الثقافية ويقدّمون بصمات إبداعية في الثقافة.شخصيا أنا لم أشتهر في لبنان ككاتبة، بل اشتهرت كصحافية، وأعزو هذا الامر إلى كوني شخصية غير إجتماعية، بمعنى أنني لا أتواصل بشكل شخصي مع الأدباء ولا مع أصحاب المراكز، سواء أكانوا في السلطة الرابعة، أم في السلطة السياسية، أم في الدوائر المجتمعية.
لا شكّ في أن مجرد حصول كتبي على أي جائزة، كان ليسعدني، خاصّة وأنّ معظم الذين قرأوا لي أكدوا على وجود تجربة أدبية متفردة ونهج فكري قريب جدا من الفلسفة. ولكن يبقى التقدير الحقيقي للمتلقي وللأيام.
٤.الخواطر التأمليّة تنطلق من العاطفة، والنقد يرتكز علىالعقل، كيف توازنين بين الذاتيّة والموضوعيّة في كتاباتك؟
ج: جميل هذا السؤال ومهم. لقد كانت كتاباتي النقدية التي كنت أكتبها في المجلة عن الكتب الادبية، والتي لم أستطع جمعها ونشرها في كتاب، بسبب توقف المجلة عن الصدور وتعذُّر حصولي على الأرشيف الخاص بها، كانت هذه الكتابات ترتكز على العقل والعاطفة معا. فالناقد برأيي ينبغي أن يقرأ النص بعقله وعاطفته كي يتسنى له أن يجمع بين المحسوس والمدلول، بين الظاهر والمخبوء، وبين الفكرة والمفردة. حتى أسئلتي التي كنت أعدّها للحوارات مع شعراء وأدباء وفنانين، كانت ترتكز على النهج الفكري واللغة الادبية التي تتوخى إظهار الدلالات المفاهيمية وإثارة الدهشة لدى مَنْ أحاوره. إنّ السؤال الثقافي بنظري،لا يكون في صياغة تقليدية جامدة، بل ينبغي أن يكون نصّا أدبيا قصيرا كما الهايكو. ربّما لهذا السبب جرى الثناء على قلمي كمحاورة بارعة في استخراج المكنون من المضمون.
٥.ما تقييمك للأعمال النقديّة في العالم العربي؟ وهل منعمل نقديّ أثار إعجابك مؤخّرًا؟
ج: ما ألاحظه بصفتي قارئة قديمة للعديد من الكتب الفكرية والفلسفية والادبية، وكذلك بصفتي قارئة حديثة للأعمال العربية النقدية التي تطورت في زمننا المعاصر، وتأثرمعظمها بالمنظومة النقدية التي وضعها غاستون باشلار بالتحديد. أرى أنّ التقليد بشكل عام، هو الطاغي على الاقلام التي تمارس الكتابة النقدية، بمعنى أن أصحاب هذه الاقلام يتبعون مصطلحات واحدة تقريبا وطريقة تكاد تكون معمّمة، فيما القليل منهم نراهم يجترحون النقد بإضاءاتهم اللغوية والفكرية والعاطفية الخاصّة بهم، مما يجعلهم متميزين بأعمالهم عن الآخرين. شخصيا أنا تأثرت وما زلت متأثرة بكتاب “حديث الأربعاء” لعميد الادب العربي الدكتور طه حسين. قرأته في مطلع صباي أكثر من عشرين مرة ، وكنت دائما أجد فيه أبعادا وخلاصات جديدة، وأتعلم منه كيف تكون أدوات الناقد بعيدا عن التقليد أوالتكلّف أو السّطحية. فالنّاقد هنا هو أيضا كاتب وشاعر ومفكر.
٦.هل من صعوبات واجهتِها كامرأة في الوسط الثقافيالعربي وكيف تجاوزتِها؟
ج: المرأة الكاتبة أو الصحافية المتمكنة من أدواتها اللغوية والمعرفية والثقافية ، لا تجد صعوبة برأيي في مواجهة الوسط الثقافي والتعامل معه، ذلك لأنها لن تحتاج إلى مساعدة مهنية من أحد في مجال عملها، فيما يخصّ كتابة المقالات أو إعداد الأسئلة. بمعنى أوضح أنها لن تكون مَدينةً لأحد من مدراء العمل أو من زملائها، لكي تضطر إلى مسايرتهم أو لكي تبقى خائفة من أن يعرف أحد حاجتها إليهم في الكتابة أو في تصويب قواعد اللغة، وهكذا دواليك. شخصيًّا أنا ولله الحمد لم أحتج إلى أحد ليكتب لي شيئا، لذلك لم أواجه أيّ صعوبات في الاوساط الثقافية.
٧.برأيك هل كان للتكنولوجيا والتطوّر الرقمي الراهن الدورالإيجابي أم السلبي على الثقافة والأدب؟ ولماذا؟ وإن كانهناك دور سلبيّ كيف يستعيد الأدب مكانته؟
ج: هذا السؤال له وجهان. الوجه الأول يؤدي بنا إلى العثورعلى مكامن إيجابية للتكنولوجيا، فيما خصّ الاعمال الإنتاجية الصّادرة للمثقفين والكتّاب، فالترويج لأعمالهم يكون بشكل أعمّ وأسرع وأشمل على صعيد الوصول للقراء والمتابعين أينما كانوا، سواء في بلد الكاتب نفسه، أم في البلدان الشقيقة والصديقة. وقد نَعِمَ معظم المبدعين في بلادنا العربية بالخدمات الترويجية السريعة لكتبهم، وببروز أسمائهم في شتى الاقطار.
أمّا الوجه الثاني للسؤال، فنقع فيه على علامات سلبية ومخيفة في الوقت عينه، خصوصا في وسائل التواصل الاجتماعي، بدءا من الفيسبوك الذي من خلاله تؤخذ عبارات الكتّاب وقصائدهم من قِبل بعض الذين ليس لديهم عزّة فكر، فينسبونها إلى أنفسهم وتضيع هوية الكاتب الحقيقي في فضاء إفتراضي يتضمن ملايين الناس. أنا شخصيا أُخِذَتْ مني عبارات، ولطالما اكتشفت وجود عبارة لي في صفحة عدد من الدكاترة العرب من غير إشارة إلى إسمي،فكنت أصوّر صفحتي التي ترِدُ فيها تلك العبارة وأنشرها عند مَنْنسبَها إلى نفسه، مع تاريخ نشرها السّابق. من هنا قررتُ أن أجمع شذراتي التي كنت أنشرها على صفحتي ولجأت إلىطباعتها اليوم، وقد صدرتْ في الكتيب الجديد” مصباح الشذرات” الصادر عن دار”عين حورس للنشروالترجمة” في القاهرة.
٨.ما هي رؤيتكِ لمستقبل اللغة العربيّة في ظلّ هيمنةاللّغات الأجنبيّة؟
ج: مهما هيمنت اللغات الاجنبية على شعوب أمتنا العربية والاسلامية، لجهة متطلبات التطور التقني الهائل، أم لجهة أسواق العمل العالمية، أم لجهة مسارات العلوم، فلا خوف على اللغة العربية، ذلك لأنها لغة حيّة باقية بقاء القرءان الكريم، وبقاء المسلمين والعرب. أحدث الدراسات تتبنى هذا الرأي، منها دراسة للكاتب محمد سيف إسلام بوفلاقة التي وضعها تحت عنوان” اللغة العربية ومواكبةالعصر: الكونية والبقاء والتقنيات الحديثة”، وفيها يقول:”واللغةالعربية من أكثر اللغات انتشاراً في العالم، فهي، على الرغم منالأخطار المحدقة بالأمة العربية والإسلامية، تمتلك ثوابت البقاء،والديمومة، بشهادة المنصفين من العرب، والعجم، ولأنّ فيها مكامنالقوة التي لا نجدها في اللغات الأخرى، إذ تتميز بقدرتها الفائقةعلى التعريب، واستيعاب الألفاظ من اللغات الأخرى بشروط دقيقة”.
٩.بين الكتاب الورقي والكتاب الرقمي أيّهما تفضّلين؟ولماذا؟ وهل ما زالت المطالعة حاضرة في زمنالتكنولوجيا؟
ج: شخصيا أفضّل الكتاب الورقيّ، لأنني شببْتُ على اقتنائه ووضْعه بين يديّ وقراءته بتأمّل. ولكنْ بما أنّ التطور التكنولوجي اليوم يفرض أدواته في مضمار الكتب والمطالعة، يضطر الباحث أو الصحافي إلى مطالعة الكتاب الرقمي والعمل عليه في الفضاء الضوئي. من هنا فإنّ المطالعة المتكاملة العناصر للكتب الورقية قد تراجعت نسبيا أمام طفرة المنصات التكنولوجية التي تتطلب الدخول السريع إليها والإعتماد على ما تعرضه من منشورات إلكترونية ونقل مقاطع منها بسرعة قياسية.وهذا ما تستسهله اليوم المؤسسات الاعلامية والجامعات والمدارس،وتستخدمه وتطلب من المعنيين بهذه الحقول إستخدامه.
١٠.كيف ترين مستقبل المطالعة خصوصًا لدى الجيلالجديد، جيل الشاشات والسرعة الرقميّة؟
ج: إن اعتماد الجيل الجديد على قراءة الكتب الإلكترونية، لن تؤديثمارها الادبية الناضجة، ذلك لأن سرعة القراءة البصرية والذهنيةالضوئية، تؤثر سلبا بشكل أو بآخرعلى ملكة التأمل عند القارىءوعلى فهمه العميق للمقروء. وهذا ما سيجعل من واقع مطالعة الكتبالورقية واقعًا مهدَّدا بالقهقرى، وليس بالانقراض. وأعتقد أن دورالنشر لا تزال تعتمد وسائل نشر الكتاب الورقي، لإيمانها بأنه لنيُتخلّىعنه أبدا، وبأنّ الدائرة الزمنية ستدور لتعيد الأيادي والعقولإليه.
١١.ما رأيك بالملتقيات الأدبية وخاصّة ملتقى الشعراءالعرب وما تقدّمه مجلّة أزهار الحرف التي يرأسها الشاعرناصر رمضان؟
ج: لا شك في أنّ دور “ملتقى الشعراء العرب” الذي أسسه ويرأسهالشاعر والناقد ناصررمضانعبد الحميد، هو دور مؤسساتي ثقافيكبير، ليس فقط على صعيد مصر، بل أيضا على صعيد الدولالعربية. وهذا الدور ليس واحدا بل متعددا، فهو ينشر الشعر ويدعمالشعراء ويصدر المجلة الإلكترونية “أزهار الحرف” بإشرافه،ويتعاون مع دور نشر على إصدار “موسوعة ومضات شعرية” تضمعددًا كبيرًا من الشعراء العرب. كما أنه يوفر منصّة للشعراء منمختلف الدول العربية للمشاركة والظهور من خلال الأمسياتوالفعاليات الشعرية والثقافية. بالإضافة إلى تنظيم مؤتمراتوأمسيات عن الشعر تجمع باقة من الشعراء العرب في مصر. وما لقاؤكم بي اليوم إلا دليلا على دور هذا الملتقى الرائد في التواصل مع أدباء والكشف عما تحتويه شذراتهم من هسيس الشّعر واللغة الجمالية.
حاورتها د. جيهان الفغالي عضو ملتقى الشعراء العرب محررة بمجلة أزهار الحرف


















