بين ضيق الجسد واتساع الوجع
حين يطرق المرض باب الإنسان، لا يطرق جسده فقط، بل يفتح أبوابًا أخرى في روحه لم يكن يعرفها. تضيق عليه الدنيا بما رحبت، وتتحوّل المسافات الواسعة إلى جدران خانقة، فيصير فراشه قيدًا، وغرفته منفى، ونَفَسه عبورًا شاقًا بين ألمٍ وأمل.
يهرب من النوم إلى النوم، كمن يفرّ من صحراءٍ إلى أخرى، فلا راحة في اليقظة ولا سكينة في الأحلام.
تتبدّل موازين الأشياء في عينيه؛ فالحلو يفقد مذاقه، والجميل يخفت بريقه، وتغدو التفاصيل الصغيرة التي كان يمرّ بها مرور الغافل، أثقل من الجبال على صدره.
لكن في عمق هذا الضيق، يولد اتساعٌ آخر… اتساع الوعي. هناك، في عتمة الجسد، يرى الإنسان هشاشته ويفهم قيمة العافية التي طالما أنكرها. وربما في لحظة ألمٍ صادق، يكتشف أن الحياة ليست في طول الأيام، بل في طعمها، وأنّ الصحة ليست مجرد غيابٍ للوجع، بل حضورٌ كاملٌ للنور في الجسد والروح معًا.


















