نازاند بيگيخاني:
صوت الشعر والمنفى — دراسة في السيرة والفكر والجماليات النسوية
عباس عبدالرزاق
تعتبر نازاند بيگيخاني (Nazand Begikhani) واحدة من أبرز الأصوات الأدبية النسوية في الأدب الكردي المعاصر، حيث تمثل تجربة شعرية متفردة تتقاطع فيها الذات الفردية مع قضايا الهوية الوطنية، المنفى، والجندر. وقد أتاح لها انخراطها الأكاديمي في مجالات العنف القائم على النوع وحقوق المرأة، فضلاً عن تجربة المنفى الطويلة في أوروبا، أن تطور نصًا شعريًا يمزج بين البعد الشخصي والبعد السياسي والاجتماعي، مما يجعل دراسة أعمالها الأدبية ضرورة لفهم التحولات الفكرية والجمالية في الأدب الكردي المعاصر.
إشكالية الهوية والمنفى
يتضح في شعر بيگيخاني الصراع المستمر بين الانتماء والاغتراب، بين جذور الهوية الكردية وتجربة العيش في المنفى. تشكل هذه الثنائية محورًا مركزيًا في تحليلات أدبية معاصرة، إذ يُنظر إلى الشعر كمساحة للتعبير عن الاغتراب النفسي والاجتماعي، وفي الوقت ذاته كأداة للمقاومة الفكرية والثقافية. إن دراسة هذه الثيمة تساعد على كشف العلاقة بين التجربة الذاتية للشاعرة وأبعادها الكونية، وتمدنا بفهم أعمق لأدب المهجر النسوي.
العلاقة بين السيرة الذاتية والكتابة الشعرية
تجسد أعمال بيگيخاني نموذجًا فريدًا للتفاعل بين السيرة الذاتية والنص الشعري، إذ يشكل الوعي الذاتي للشاعرة وتاريخها الشخصي جزءًا لا يتجزأ من البناء الفني لقصائدها. تتجلى في نصوصها الإشكالات الإنسانية الكبرى: الغربة، فقدان الوطن، الصراع مع التقاليد الاجتماعية، والتطلع إلى الحرية الفردية. من خلال تحليل هذه النصوص، يمكن للباحثين والمطالِعين الوصول إلى رؤية متكاملة حول كيفية تحويل التجربة الشخصية إلى مادة شعرية حية وغنية بالمعاني.
النشأة والهوية الثقافية
ولدت نازاند بيگيخاني في إقليم كردستان العراق حوالي عام 1964، في بيئة غنية بالتراث الكردي والثقافة الشفوية. تأثرت منذ صغرها بالشعر الشعبي الكردي والحكايات التراثية، وهو ما صاغ وعيها الأدبي المبكر وجعلها تنمو شاعرة متصورة العالم من خلال عدسة ثقافتها الأصلية.
إن تجربة النشأة في كردستان، وهي منطقة شهدت صراعات سياسية ومجتمعية طويلة، منحت بيگيخاني إحساسًا عميقًا بالهوية والانتماء، وفي الوقت نفسه مهدت الطريق لمواجهات موضوعية مع قضية المنفى والاغتراب لاحقًا في حياتها.
التعليم والتكوين الأكاديمي
تلقت بيگيخاني تعليمها الجامعي في كردستان، قبل أن تواصل دراستها العليا في فرنسا، حيث حصلت على الماجستير والدكتوراه في الأدب المقارن من جامعة السوربون. هذا المسار الأكاديمي ساهم في توسيع آفاقها الفكرية، وأتاح لها الاطلاع على الفلسفة الغربية والنقد الأدبي الحديث، كما أعطاها أدوات تحليلية متقدمة تمكنها من مزج التجربة الذاتية بالتحليل الاجتماعي والسياسي في نصوصها.
تجربة المنفى وتأثيرها على الكتابة
مثل العديد من الكتاب الكرد في المهجر، وجدت بيگيخاني نفسها مضطرة إلى العيش خارج وطنها بسبب الصراعات السياسية. شكل المنفى تجربة محورية في حياتها الأدبية والفكرية، إذ أتاح لها التحرر من قيود المجتمع التقليدي، وفي الوقت نفسه عمّق شعورها بالغربة والاغتراب الثقافي. هذه الثنائية — بين الانتماء إلى الجذور والابتعاد عن الوطن — كانت مركزية في تشكيل موضوعات شعرها، مثل الهوية، الاغتراب، الذاكرة، والحنين.
النشاط الحقوقي والفكري
لم يقتصر نشاط نازاند بيگيخاني على الكتابة الشعرية فحسب، بل امتد إلى البحث الأكاديمي والدفاع عن حقوق المرأة ومناهضة العنف القائم على النوع. عملت كباحثة وزميلة فخرية في مؤسسات أكاديمية أوروبية، ونشرت عدة أوراق بحثية في مجال العنف ضد المرأة، حيث حاولت ربط الأدب بالممارسة الاجتماعية والحقوقية.
يمكن اعتبار هذا النشاط الفكري امتدادًا لرؤيتها الشعرية: الشعر ليس مجرد نص جمالي، بل فعل مقاومة، ووسيلة للتعبير عن القضايا الإنسانية والاجتماعية.
انعكاسات السيرة على الشعر
إن مسار حياة بيگيخاني — من كردستان إلى المنفى الأوروبي، ومن الطفولة في مجتمع محافظ إلى التعليم الأكاديمي الغربي، ومن الشعر إلى البحث الاجتماعي — يشكل خيطًا متواصلًا يربط بين سيرتها الذاتية وإبداعها الأدبي. فقد أصبح الشعر بالنسبة لها أداة لمعالجة الصدمات، وفعلًا سياسيًا وثقافيًا في الوقت ذاته، معتمدًا على تجربة حية تنبع من الوعي بالهوية والمكان والزمان.
التحليل الجمالي والفكري لأعمالها الشعرية
محور الهوية والغربة
يمثل موضوع الهوية والغربة محورًا مركزيًا في شعر نازاند بيگيخاني. ففي دواوينها مثل Bells of Speech وColour of Sand، تستعرض الشاعرة تجربة الفرد الكردي في المهجر، حيث تتشابك حنين الطفولة بالوطن مع الصراع النفسي الناتج عن العيش في المنفى. .
في ديوانها Colour of Sand تقول الشاعرة:
“In the silence of my homeland, I hear the footsteps of memory”
في صمت وطني، أسمع خطوات الذاكرة”
يتضح في نصوصها كيف تتحول الغربة إلى تجربة معرفية وشعرية، إذ لا تُصور فقط الانفصال المكاني، بل أيضاً الانفصال النفسي عن جذور الثقافة واللغة. ومن خلال هذا، يُمكن اعتبار شعرها مساحة للتأمل في الأسئلة الكبرى للوجود: من أنا؟ وأين أنتمي؟ وكيف يمكن للشعر أن يعيد صياغة الذات في مواجهة الغربة؟
الجسد والذاكرة
يأتي الجسد في شعر بيگيخاني كرمز للوجود والهوية، وأداة للتعبير عن التوتر بين الانتماء والاغتراب. في العديد من قصائدها، يتحرك الجسد بين الواقع والرمزية، ليصبح مساحة للنزاع الداخلي والتجربة التاريخية والثقافية.
كما تلعب الذاكرة دورًا بارزًا في النصوص، حيث تستحضر أحداث الطفولة، الحرب، والحنين للوطن، وتوظفها لتشكيل صورة شعرية غنية بالمعاني. هذا التوظيف يعكس القدرة على المزج بين السيرة الذاتية والفن الشعري، مما يجعل كل قصيدة لوحة حية تعكس تراكم الخبرات الفردية والجماعية. وبناء الحاضر الشعوري. في ديوان Bells of Speech نجد البيت:
“My hands carry the weight of unsaid storie


















