پَری قرداغي… شاعرة الحب و الشمس :
عبورٌ نقدي في تضاريس ثلاثية قصائد تتنفس الضوء
في مواجهة نصٍّ لا يكتفي بأن يُقرأ… بل يفرض على القارئ أن يعيشه … يصبح الدخول إلى عالم القصيدة أشبه بخطوة أولى على أرضٍ تتوهّج تحت القدمين. قصائد پَری قرداغي ( التي وددت ان القبها عن جدارة ب( شاعرة الحب و الشمس) …ليست مجرّد تشكيل لغوي أو انفعال عابر… إنها بناءٌ روحيّ مشغول بعناية، يعلو وينخفض كنبض يستدلّ على ذاته في كل مقطع.
وهذا النصّ النقدي يأتي محاولة للاقتراب من تضاريس هذا الصوت… تفكيكًا لطبقاته، وقراءةً لطاقته، واستكشافًا لما تخبّئه كل قطعة من القصائد الثلاث ( سرّ القبلة، لحن القبلة، آهات الانتظار ) من إشارات، وتوترات، وإيماءات ضوء تتجدّد في كل سطر.
(في سرّ القبلة ) حين يتحوّل اللمس إلى معنى
تبدأ الشاعرة قصيدتها بطرحٍ وجودي لا يتعامل مع القبلة كفعلٍ حسي بل كـ”رسالة حياة.. هنا تُخرِج القبلة من سياقها المألوف، لتجعلها فعلًا يعبر بين قلبين كما تعبر الأرواح بين العوالم...ثم تنتقل إلى فكرة الإنسان الذي “لا يطيق وحدته” فتُحوّل القبلة إلى رغبة في الانفصال عن الذات والاتصال بالآخر...إنها رؤية تجعل الحب خروجًا من حدود الجسد نحو مساحة أكثر إنسانية.
وفي مقطع النفس المتبادل… تصنع الشاعرة لحظة “خلود”… لحظة يتوقف فيها الزمن ويصبح الشهيق الموحّد جسرًا بين روحين.
بعدها ترتفع فيه القبلة إلى مستوى الوجود، فهو قلب القصيدة:
اتحاد جسد وروح ، بذرة ووردة… حلم يتحوّل نورًا
وتُختَم القصيدة بفكرة أن القبلة «فلسفة»، لا مجرد فعل.
إنها عنوان بسيط لإنسانٍ عظيم، يُضيء حين يصل قلبه إلى قلب آخر.
اما في قصيدتها “ لحن القبلة ” حين تصبح القُبلة موسيقى كاملة
في هذه القصيدة حيث تنتقل الشاعرة من الفلسفة إلى الموسيقى…تكتب پَری عن القبلة كأنها نغمةٌ تُعزَف بين اثنين، لا يسمعها أحد سواهما.
في المقطع الأول… تشبّه القبلة بـ” نسيم الربيع البارد” الذي ينهض في القلب. ..إنه تشبيه يلمس الحس والروح معًا:
برودة في الجسد، وارتفاع في الأحاسيس
ثم تنقل القبلة إلى منطقة «العزف»، حيث تصبح الأنفاس ألحانًا، وتتحوّل العيون إلى “مملكة خاصة” لا يدخلها إلا الحبيبان.
هذا بناء صوري يخلق عزلة جميلة… عزلة لا تُقصي العالم، بل تُعيد ترتيبه...وفي المقطع الثالث، تتبدل لهجة الشاعرة من الهدوء إلى اللهيب:
”تشعل نار قلبي، وتغيّر عالمي بأحاسيسك…”
إنه احتراقٌ لا يُفني، بل يمنح فرحًا وسكينة
أما الخاتمة.. فتمزج بين الرقة والقداسة:
قبلة “مثل لحن بلا نهاية.. تغني له القلوب...
إنها القبلة التي لا تنتهي لأنها خارج الزمن.
اما في قصيدتها الثالثة ” آهات الانتظار” حيث تصف الشوق بوصفه موسمًا كاملًا و الذي تنتقل فيه من بعد دفء القبلة، إلى الجانب الآخر من الحب : انه “الانتظار”
في البداية تضع الشاعرة نفسها “متكئة على نافذة الغيم” صورة تجمع بين الهشاشة والسمو.. هي تُعلّم القمر نطق اسم الحبيب…وكأنها تحاول تشغيل الكون نفسه ليصل صوته إليه...ثم يأتي مقطع الليل، حيث يتحوّل الوعد إلى وسادة…والصدى إلى حضورٍ ناقص يُعيدها للحبيب ألف مرة دون أن يأتي...إنه وصف دقيق لقلق الحنين.
وفي ذروة القصيدة، تُسمّي الانتظار “نارًا باردة”بمفارقة بديعة :
نار تحرق لكنها بلا لهب …وتذيب الوقت كما يذيب الجليد ملامح الربيع
بعدها تفتح الشاعرة باب الاعتراف الكبير:
هي لا تنتظر لأنها لا تملك سواه …بل لأنه الحلم الذي لم يكتمل…والغيبة التي صارت قدرًا من الأمل...
وتأتي الخاتمة كأجمل ما في القصيدة:
تشبيه الحبيب الذي “يتأخر كالشفاء، ويجيء كالمعجزة”
ثم صورة الدعاء والدمعة التي تخبّئ اسمه…
في انتظار لقاءٍ ينمو مثل ثمرة
خاتمة القراءة
في هذه الثلاثية تتنقل پَری قرداغي بين:
• الفلسفة الوجودية في سرّ القبلة
• الموسيقى العاطفية في لحن القبلة
• الحنين المُضِيء في آهات الانتظار
لتصنع لوحة شعرية تجمع بين حساسية الجسد وشفافية الروح.… إنها تكتب كما لو كانت القبلة ضوءًا، والحب موسيقى، والانتظار عبادة.
وبهذا تستحق فعلًا لقبها: شاعرة الحب و الشمس .
احمد موحان
شاعر وكاتب العراق _البصرة


















