-كيف يحجب الإعلام الاجتماعي الحقيقة؟
يلجأ متصفحو مواقع التواصل الاجتماعي بكثافة إلى نقل مقاطع الفيديو التي تحث على المحبة والصدق وتلقين الطيبة، كما تدعو إلى تجاوز الأشخاص السلبيين، وإظهار القوة والهشاشة معًا.
بينما تكشف حياتهم اليومية وممارساتهم عن عكس ما يروّجون له، فهم يصورون أنفسهم باستمرار كضحايا ملزمين بنيتهم الطيبة ومجبولون بالصدق،..
ولا يعبرون عن مشاعرهم إلا بلغة مشاهير يدّعون الطوباوية والإرشاد الاجتماعي السليم.
توفر منصات التواصل مساحة لبناء نسخة محسّنة من الذات، فيشارك الكثيرون محتوى ملهمًا كنوع من التجميل النفسي يعكس رغبتهم في الانتماء إلى صورة أخلاقية راقية أو لتعويض نقص شعوري في العلاقات أو الثقة بالنفس، بدل التعبير عن تجربتهم الواقعية.
في الوقت نفسه، يصبح تقديم الذات كضحية “مجبَرة على الطيبة” وسيلة لحماية النفس من مساءلة الآخرين، حيث توفر هذه الصيغة تعاطفًا سريعًا وشرعية للسلوكيات الانفعالية، فتتحوّل الطيبة إلى خطاب دفاعي أكثر من كونها ممارسة واقعية.
يتيح لسان المشاهير وخطاب الإرشاد السريع وسيلة جاهزة للتعبير عن الذات، إذ يمنح مشاركة هذه المقاطع إحساسًا مؤقتًا بالقدرة على التغيير ويختصر التعقيدات النفسية من دون مواجهة الواقع أو الاعتراف الشخصي.
اذ تدخل هذه الفيديوهات ضمن ما يُعرف بالاستعراض العاطفي، فيصبح الظهور بمظهر الصادق والطيب أهم من ممارسة هذه القيم فعليًا،
وفي ظل غياب أدوات التربية العاطفية الواقعية، يجد الفرد نفسه يلجأ إلى هذه المقاطع كملجأ سريع للتعبير عن مشاعره واحتياجاته غير المعالجة. وما نشاهده اليوم من انتشار مقاطع التحفيز والمحبة ليس صدفة، بل انعكاس لحاجة نفسية واجتماعية معقدة: الرغبة في الظهور قويًا وطيبًا مع العجز عن ممارسة هذه القيم في الواقع، لتصبح منصات التواصل مسرحًا كبيرًا يُقدّم فيه الأفراد نسخة محسّنة من أنفسهم، بينما تبقى الحقيقة اليومية معلّقة خارج الشاشة.
لكن يبقى السؤال المعلق ،متى ستتمكن المجتمعات والأفراد يومًا من التعبير عن ذواتهم الحقيقية بعيدًا عن ألسنة المشاهير والخطابات المثالية؟
رحاب هاني خطار


















