قراءة نص قصة قصيرة:
مشهد من دائرة خبيثة للدكتور خالد بو زيان موساوي.
بقلمي: الناقدة زينب الحسيني/لبنان.
عنوان القراءة: الأبعاد الدلالية النفسية، الفنية
والفلسفية في النص.
_ نص لقصة قصيرة إبداعية ، وكما جاء في عتبتها الأولى:
هي “مشهد من دائرة خبيثة”
العنوان هذا إيحائي دال، لم يكشف المتن فلم نعرف ما ماهية “الدائرة” ولم نعتها الأديب ب”الخبيثة” وهذه مهارة في اختيار العنوان ليبقى لغزا يثير فضول المتلقي كي يتعرف إلى “المشهد”
النص عميق وثري جدا بالدلالات الموحية التي تصف حالة الكاتب النفسية، وقد بدا كأنه “مشهد” من مسرحية حياته في تلك الليلة المقمرة.
لذا سأحاول تفكيك الدلالات والإيحاءات وأقسمها إلى عدة
مستويات أو أبعادهي:
البعد النفسي، البعد الفني، والبعد الفلسفي. أبدأها
_أ البعد الدلالي النفسي:
هناك أكثر من حقل دلالي يشي بحالة البطل/السارد
(رمال تتبرم من شدة الملوحة وكأنها تحاكي ضجري من أمواج رتيبةلا تحمل جديدا…)
( فقط تبلل صفحة يوم من كتاب حياتي. دائرة خبيثة!!!..)
توصيف كهذا يشي بالضجر والتبرم برتابة الحياة، تلك الحياة :”دائرة خبيثة” وهنا تنكشف العنونة .
نتابع قراءة المتن لنعرف تتمة
القصة /المشهد ، فقد بدا أنه في “أيام خلت” كانت للبطل أسرة ، و”طقوس” و” ساعة
منضبطة” وكان كل ذلك غذاء لفكره ووجدانه وجسده، يجعله يحس بالأمان”الجمعي” والدفء..
هذا الأمان الذي تبدل
” في رمشة عين” تركه لا يعرف ذاته فتغيرت كل ملامحه، وتغير وجهه الذي تلبد بالتجاعيد،حتى لدخان السيجارة دلالات وتداعيات ألهمته حركتها العبثية بالقول:
“إنها لوحة مرادفة لعملية تبخر كياني وأمنياتي واحلامي” فماذا تبقى…؟
وهو لشدة تبرمه اعتراه شعور محير عبثي :
فسيان عنده الإحساس بالقهر او الشعور ب”سعادة الحرية”
طالما اختلطت الأحاسيس بداخله بين الحقيقة والوهم والخيال، وتغير العالم كله من حوله فهو يقول:
” قد صرت وحيدا أصبو إلى إنقاذ نفسي … من هول محيطي ومني…”
تعبير يشي بوحدة قاتلة جعلته لا ” يصبو إلا إلى إنقاذ نفسه”من مصدرين:
-١ مصدر خارجي
هو “هول المحيط”
-٢ ومصدر داخلي هو
” الذات:
وغير خفي ما يفرزه “المحيط” أو الواقع المعاش من أسباب للقلق على جميع الأصعدة
لكن الكاتب /الشاعر رغم هذا الضيق النفسي والتوتر، ظل يرى فسحة نور وضوء وأمل ، فقد تذكر البطل، أن رنين الهاتف عبر الأثير، ما زال يحمل إليه رسائل من محبيه يطمئنون عليه .أما قوله: “عانقت وسادتي” فهو دليل على وحدته التي يخبئء فيهاكل أسراره، وتنتهي القصة بتوصيف نوم عنيد يحتاج ” للمغازلة”
كي يزور الأجفان ويعود البطل إلى “الدائرة الخبيثة ”
عينها؛ معللا نفسه ” أن يرى الشمس في نهار جديد…”
_ ب البعد الدلالي الفني:
اللعبة الفنية في النص قائمة على تكثيف التعابير وعمق المعاني وتوظيف الدلالات الإيحائية؛ توخيا لإيصال الهدف بسرد شيق ممتع ودال في الوقت نفسه.
في عتبة الاستهلال، كان السرد شعريا رومانسيا بديعا:
كالقول؛
“جمعت الشمس ما نسيت طيلة النهار من خيوط بمغزل الضوء وتأهبت للمغادرة” فكأن غياب الشمس يذكره بغيبة الأحباب وافتقاده لهم.بعدها جاء القول :
“تبرم الرمال من الملوحة، وكأنها تحاكي ضجري من أمواج رتيبة…”
توصيف فيه أنسنة للأمواج وتماهي البطل بما تحسه تلك الامواج من “ضجر وملوحة”
أما في المتن فيبدو السرد بلغة عادية وظفت لتوصيف
حالة البطل النفسية وسبق أن ورد ذكر ما آلت إليه الحال…
– القفلة ممتعة بسردها الساخر الشيق فقد استفاقت في ذهن كاتبنا المبدع رسالة الأديب أو الشاعر بأن عليه الا يقفل على النص أبواب الظلمة ويتركها تسرح وتمرح في “دائرة الحياة الخبيثة” لذا أنهى المشهد المسرحي الدراماتيكي، بسخرية مرة بالقول:
” أسكت احتجاج معدتي بما يسد رمقي ولأجل احتساء
عفاقير و بروتوكولات علاجية..”
ثم تنتهي القفلة بصورة شعرية جميلة بعد أرق طويل، وتمنيات البطل
” برؤية شمس مشرقة تحمل الأمل بيوم جديد”
_ ج البعد الدلالي الفلسفي:
النص ثري بالتأملات الوجودية التي تصل أحيانا إلى العبثية وهنا تناص مع رؤية وفكر فيلسوف المعرة حيث يقول:
غير مجد في ملتي واعتقادي
نوح باك أو ترنم شادي
وشبيه صوت النعي إذا قي-
س بصوت البشير في كل نادي.
وكل هذا التبرم والضجر من رتابة الحياة “الخبيثة” جعله يشعر بغربة وجودية ويحس بتبخر ” كيانه وأمنياته وأحلامه”
لهذه المشاعر الحقيقية إسقاطات واقعيةكثيرة: فبعد تغير العالم كله من حولنا ، صار العيش مقلقا على جميع الأصعدة، بسبب توالي الحروب المدمرة والإبادات الجماعية والتشريد والتجويع…
وختاما كل التقدير والشكر للدكتور خالد بو زيان موساوي، على نصه الإبداعي
الممتع هذا، الذي يشكل قصة قصيرة شيقة نموذجية تستحق الدراسة .



















