الليرة اللبنانية والقيمة الإنسانية.
يا ابنتي…
كنت أدور بين الناس كالعافية، كالبركة، كقطعة تمر فوق جسر البيوت .
أنا.. أنا الليرة اللبنانية التي كانت يومًا تدور في كفوف الناس كما تدور الشمس في سمائهم. كنتُ أسمع نبض الأسواق، وألمح في الوجوه شيئًا من كرامة العيش، ثم شاء الزمن أن يطمرني تحت غبار الهوان.
أمسكيني… لا تخافي. لن أجرح يدك، فقد بهتت حافتي من كثرة ما داسَ عليها الغلاء والخيبة. أصبحوا يضعونني اليوم في المتاحف، خلف الزجاج، كأثرٍ بائد من وطنٍ نسي نفسه. ينظر إليّ الزوار كما ينظرون إلى عظمةٍ منقرضة. يبتسمون ابتسامةً باردة كأنني مجرّد لعبةٍ معدنية، لا ذاكرة لي ولا تاريخ.
أين حكّامك يا ابنتي؟ أين الذين وعدوا بأن يمسكوا البلاد بيدين ثابتتين؟ تركوني أتآكل كما يتآكل الصبر في قلوبكم. مزّقوا قيمي كما يمزّق الليل آخر رمقٍ من القمر. لم يصونوا وزني، ولا وزنك، ولا وزن الوطن كله.
كنتُ رمزًا… تحوّلتُ إلى عبء. كنتُ أساوي خبزًا وكرامة، صرتُ لا أساوي حتى نظرة احترام. أما حكامك يا صغيرتي مشغولون بالخطابات الفارغة، والبهرجة مع عرض العضلات في بلدٍ عاجزٍ تخرقه الطائرات والمسيرات والقنابل، بينما حكامك يا حلوتي ينسجون في الهواء وعودًا تشبه خيوط دخانٍ تتلاشى قبل أن تبلغ السقف ويستخفون بأسئلتنا حول المصير والعدوان.
اسمعيني جيدًا… لستُ غاضبة لأنني فقدت قيمتي المالية، بل لأنّهم سرقوا قيمتي الإنسانية. سرقوا حقي في أن أبقى رمزًا لوطنٍ يعرف معنى الكدّ والشرف. جعلوا مني شاهدًا على زمنٍ يتساقط فيه كل شيء: قيمة العمل، قيمة العلم، وقيمة الإنسان.
لكنّي، رغم حزني، أرفض أن أموت صامتة. أريد أن يُسمع صوتي، أن يُقال: هنا عملةٌ كانت يومًا قلب السوق، ثم حوّلها حكّامٌ عميان إلى ذكرى تستخدم في الدروس لا في الحياة. لستُ تحفة… بل صفعة.
فإذا وقفتِ أمام الزجاج ورأيتِني… لا تنظري إليّ كشيء من الماضي، بل كصرخة متجمّدة تنتظر يدًا تهشم هذا الزجاج، وتعيد للوطن وزنه، قبل أن تصبح البلاد كلها قطعةً نقدية صدئة لا يلتفت إليها أحد.
بقلم: ساره حاطوم أبي فرج


















