ضوء الأمومة في مرايا الفقد
قراءة نقدية في ديوان “قُبلة على جبين الضوء” لنازك الخنيزي
بقلم :ليلى بيز المشغرية
من أرض الحرمين الشريفين، تطلّ علينا الشاعرة السعودية المتألّقة نازك الخنيزي، وفي جعبتها قناديل موشومة بالجمال، تشعّ كنجمٍ وضيء في فضاء الإبداع، حاملةً إلينا دفءَ الكلمة ونبض الشعر وألق الحرف.
يعد ديوان “قُبلة على جبين الضوء”ل نازك الخنيزي تجربة إنسانية بحتة تقوم على فقد الأم وما يخلّفه هذا الفقد من خلخلة روحية واهتزاز عاطفي عميق تجلى ذلك في الإهداء وكذلك في إثنين وثلاثين نصا حيث كانت الام هي محورها الاساس .. فالنصوص لا تتجه إلى الرثاء التقليدي بل تحاول إعادة تشكيل صورة الأم في فضاء نوراني تتداخل فيه الذاكرة مع الحنين ويصبح الضوء رمزًا متكررًا لحضورها المستمر في حياة الشاعرة بعد الرحيل.
استطاعت الشاعرة من تحويل الخاص إلى عام بحيث يجد القارئ في النصوص مرآة لأحزانه الخاصة…
فهي بتقديمها ريع هذا الكتاب الى مؤسسة الامل التي تعنى بمرضى السرطان جعلت منه نورا وبصيص أمل لكل من يعاني من هذا المرض الخبيث …
– الأمومة بوصفها مصدر الضوء
تقدّم الشاعرة صورة الأم من خلال لغة مشبعة بالإشراق بحيث يتماهى الضوء مع حضورها حتى يتحوّل إلى مرادف رمزي للأم نفسها.
يتضح ذلك في العديد من الجمل مثل:
“كلما ناديتكِ، أضاء البيت من جهة أعرفها… جهة قلبك.”
وكذلك ففي ابجدية القلب صورت الأم مرادفا للنبض من خلال قولها “الام ليست ذكرى بل مقيمة في الدم كنبض يعرف صنعته ”
هذه الصورة تظهر الأم كقوة كونية لا تنطفئ وتكشف عن رغبة الشاعرة في تجاوز الجسد إلى الجوهر.
– الفقد كمساحة لإعادة بناء الذاكرة
لا تقدّم الشاعرة الفقد بوصفه نهاية بل بوصفه مرحلة لإعادة تشكيل العلاقة مع الأم بصورة جديدة.
تظهر هذه الرؤية في قولها :
“حين غبتِ… لم يغب الضوء بل تغيّر اتجاهه فقط.”
هنا يتحوّل الحزن إلى وعي جديد ويتحوّل الغياب إلى تجربة تعلّم وتجلٍّ
تستخدم نازك الخنيزي لغة ناعمة قصيرة محمّلة بالمعاني المكثفة. الهمس اللغوي ليس ضعفًا بل هو وسيلة للتعبير عن وجع داخلي لا يُقال مباشرة.
الجمل تتسم بالاقتصاد والانسياب:
قِصر الجملة
إيقاع خافت
صور شفافة
مجازات ضوئية متكررة
هذا الأسلوب يعكس حساسية التجربة، ويمنح النصوص طابعًا تأمليًا.
يتكرر في الديوان توترٌ رمزي بين الضوء والظلمة؛ إذ تمثل الظلمة معنى الغياب والألم، بينما يمثل الضوء الأم والحنين والطمأنينة.
يتجلى ذلك مثلًا في قولها:
“أخاف الليل… لأنك لم تعودي في آخره.”
هذه الثنائية تمنح الديوان هيكله الشعوري الأساسي وتكشف عن رؤية وجودية للمرأة التي تحاول الخروج من العتمة باتجاه أثر الأم.
تتحرك النصوص من الانكسار إلى النهوض، ومن الفقد إلى التماهي مع الصورة الروحية للأم.
الانكسار عند لحظة الرحيل
التشظّي الذي يصيب الذاكرة
الحنين الذي يعيد تشكيل الخطاب
الضوء باعتباره مرحلة الشفاء
بهذه الحركة ينجح الديوان في تقديم تجربة نضج روحي وليس مجرد مرثية.
يتميّز الديوان بما يلي:
صدق وجداني نادر
بناء صور ضوئية ذات نبرة روحية
قدرة على تحويل الألم إلى لغة جمالية
مقاربة جديدة لرثاء الأمومة بعيدًا عن النواح.
وأخيرا
يمثل ديوان “قُبلة على جبين الضوء” تجربة شعرية ذات عمق إنساني كبير تستعيد فيها نازك الخنيزي صورة الأم من خلال لغة مضيئة ومجازات شفافة وتعيد عبرها بناء المعنى داخل فضاء الفقد.
إنّه ديوان يكتب حضور الأم في غيابها ويحوّل الضوء إلى شكل من أشكال الحب الأبدي.
اتمنى للشاعرة نازك الخنيزي كل التوفيق في مسيرتها الأدبية والى المزيد من الإبداع والعطاء ..


















