إضاءة نقدية لنص برنس أبي للشاعرة آمال صالح بقلم الناقد حسين الحسناوي
الجزء الأول :
البرنوس أو كما يسمى ببعض مناطق بالبرنس هو معطف طويل يضعه الرجل على كتفيه، ليس به أكمام، بل مفتوح من الأمام ويضم غطاء رأس (قبّعة) لا ينفصل عنه. وتتنوع ألوانه بين الأبيض والبني والأسود، والترابي المائل إلى الأصفر وكذلك تتباين أحجامه بين الصغار والكبار.
يرتبط ارتداءه « بفصل الشتاء، نظرا لبرودة الطقس، في محافظات البلاد في الشمال والجنوب والمحافظات الداخلية، كما يُرتدى في مناسبات معينة مثل الأفراح والزفاف. تنتمي هذه الرموز إلى البعد الثقافي الاجتماعي، إذ يحمل “البرنس”بُعدًا تراثيًّا عربيًّا يُستدعى كدال على الجذور والهوية
القراءة:
الاسلوب :
احتوى النص على الكثير من جماليات الفن القصصي، كان أبرزها في ظني التدفق اللغوي السلس، الهادئ، والمتناسب تماما مع انتقالات الأحداث، التي تنقطع وتتصل بحسب تشظي الزمن على طول جسد النص، لتهب القارئ المتعة والتشويق والعمق، وهي تغوص بحرية مطلقة في زمن الأب لتُخبرنا أن الآباء لا يورثون أبناءهم الجينات الجسدية فقط، بل وجيناتهم النفسية أيضا
الرحيل والفقد الأبوي :
النص يتعامل مع رحيل الأب وذكرياته الحية التي تلاحق الكاتبة آمال صالح. هنا، يبدو أن الكاتبة تحاول مواجهة الفقد الأبوي، ولكن دون أن تستطيع التخلص من الألم الناتج عن غيابه. من خلال العبارات مثل”كم باردة الحياة بدون ذاكرة ” نجد أنها تبرز كيف أصبحت الحياة عبئًا ثقيلًا بعد رحيل الأب. هذه الصور تحيلنا إلى مراحل من التراكم النفسي والجسدي على الكاتبة، حيث أصبحت تشعر بأنها تكبر وتتغير دون أن تجد في حياتها ما يعوض فقدان الأب.
الاستعارة التراجيديّة
تتناول الكاتبة “برنس ابي “في سياق استعارة مجازية ذات طابع تراجيدي، حيث تستحضر صورته لتأكيد الأبعاد الوجدانية المرتبطة بالحماية والدفء. فالبرنس، تمامًا كما يلتف الحنين حول تفاصيل الذاكرة، يتحول هنا إلى رمز متكامل يجسد دفء الأبوة، وسياج العائلة، ووشاح الهوية الذي يحفظ ملامح الذاكرة. وهكذا، يتجاوز التصوير الشعري فكرة البرنس كقطعة ملبس عادية لتمنحه أبعادًا رمزية عاطفية تعزز الشعور بالانتماء والارتباط. في هذا السياق، يصبح البرنس إشارة إلى الماضي العائلي وامتداده العميق في الوجدان، محققًا تواصلاً دائمًا مع جذور الشعور الإنساني.
البنية اللغوية والبلاغة:
تستثمر الكاتبة آمال صالح بلاغة اللغة العربية بذكاء شديد، فتستخدم الاستعارات والتشبيهات لتثري معاني النص وتفتح آفاقاً جديدة للتأويل. في قولها : اتخيله بين ثقوب الحياة كونا واسعاُ
وايضا ، قد نجدها تصف الحلم ككائن حي يختزل فيه كل الأماني والطموحات المعلقة في الفضاء، مما يمنح القارئ إحساساً بالمدى الذي يمكن أن تصل إليه هذا الحلم، بل ويجعل منها شخصية فاعلة في النص .امرأة تكتب لتقول انا موجودة كاتبة تأخذك بيدك الى موطئ القدم الاول الى(الكسرة) وريحة سخاب الأب
وحفريات الذاكرة الراكدة تحركها فتنشط وتسرد كل تفاصيل الحكاية
عناوين كثيرة تمر أمامك فارة الى الوراء وكأنك تركب قطارا سريعا ووجدانك يلتقطها يحتضها ويوسع لها في ذاكرة مخيلتك حتى لا تضيع منك وحتى تتمكن من امتصاص جمالها على مهل
فنصوص آمال :حالمة /هادئة مستكينة تراقب من وراء الحجب عواصف الحياة التي تفرق لتجمع وتجمع لتفرق….
—امراة من فيض هي الكاتبة وهي النص لانها من رحم الوجع تولد وفي رحم الالم تقيم وحديث الروح يطول كتراتيل في محراب العشق وكنف الجمال
الجزء الثاني :
—-فالرجل عندها هو الأب في أعلى المراتب حيث يذبحها الحنين الى حضنه الدفيء وحكايات الشتاء الطويلة بين النسوة وما أجملها تلك الحياة توقد في رأسي مثل الكانون وهو الموقد
هي تطلب ان تكون لها مرافئ أمن وسكينة اليه(هو عالم دافئ يمتد الى روحي)
____وبتبصر المطلع وعين الحصيف تطلعنا على حال الحركة الأدبية التي لامستها الشوائب والعوالق في غياب عين فنية خبيرة تنقي الساحة من الدخلاء والدعاة وفتاوي انصاف المثقفين الذين يؤسسون للتطبيع مع أدب الرداءة
—أما هو وهي فتلك قضية اخرى فهذه خاطرة بالنسبة لي شطحة صوفية في رحاب ملكوت الحرف هي القريحة هي الإلهام هي الصحو هي المنام هي البعث من رفات الأبجدية وتثمر فاكهة الحب انجذابا وانصهارا ونبيذا حلالا.
-وذات عودة نعيش أدب الرحالة ونلف نصف العالم في دقائق مع استرجاع نوستالجي لطفولة
وتبقى الكتابة مشتهاة
—من القراءة السابقة يمكن ان أقول أن(البرنس)أقام رؤيته على الحنين لذكريات الطفولة البكر في نص قام على الثراء الفني من خلال توظيف المجاز والتجديد في الصور السردية بشاعرية عالية
مع توظيف طابع المونولوج الداخلي
إضافة الى التكثيف الدلالي الذي يعكس تمكن الكاتبة من التعامل الجيد مع اللغة….
==فما موقع النوستالجيا في هذا النص؟
_الحنين شعرا ونثرا، موضوع أثير في الأدب العربي
وامتد الاهتمام بشعرية الحنين في الأدب الحديث والمعاصر ومفهوم الحنين زاحمه مصطلح آخر استعاره الأدباء حديثا من الطب النفسي (النوستالجيا)والدال على ذكرى تحمل إحساسا ما بالسعادة اقتنصتها الذاكرة، وهذا الصيد – صيد الذاكرة – يعبر عن شعور جميل، يخالطه نوع من الإحساس بالألم أو الاغتراب وقد يبين عن حجب كثيرة تحول بين المرء وذكرياته
فالكاتبة تقف في المسافة الفاصلة بين الإحساس بالسعادة والإحساس بالألم التي تبدو مرهونة بالذاكرة؛ فالذاكرة وحدها قادرة على ربط الماضي بالحاضر والمستقبل
أديبة تلتقط صوره من كاميرا الذاكرة؟
ويبدو أنها تعول كثيرا على الذاكرة الفردية في رصد حالة النوستالجيا الأدبية، فهي تكتب النص الشعري وليس القصيدة الشعرية
فتعيش حالة النوستالجيا من منظور الحاضر الذي لم يغب أبدا، وعبرت عنه بكلمات ضمتهاخواطرها (كتفاصيل مبعثرة واعترافات)
فتبدو القيم الإيجابية الفاعلة التي تسندها الذات الكاتبةإلى نفسها أكثر في الماضي
لذا كلما توغلت في مقاربةخواطر آمال صالح
أتساءل: هل ينبغي دائماً الإحتفاء بإرث الذاكرة؟
والجواب في ( آمال صالح)حيث الكاتبة ترسل لنا حديث الأمس وفي الخيال ألـبـوم صورلأحبة أعزاء علينا وأماكن دافئة (الأب)وروائح مألوفة وأصوات رنانة وأشياء تعيدنا إلى ماضٍ حقًا نحنّ إليه، ويبقى السؤال: إلى أي ماضٍ نحنّ ؟
هل نحنّ إلى طفولتنا حيث الأب والبيت القديم وبيت الأجداد وبساطة الحياة وكتابة الرسائل وصوت الراديو وأعراس الاقارب ؟أم نحنّ إلى أنفسنا القديمة حين كانت القلوب تهفو وتتأمل وتحب سرا وعلنا
والكاتبة تضعنا أمام كل هذا في حزمة النص حيث ترسم وتصور وتنسج خواطر أصبحت جزءاً أساسيّاً من بانوراما الأدب التونسي
حيث يقول لنا الماضي رحل والحاضر راحل لامحالة
وبعد اختفائنا تبقى الكلمات وثراث الآباء برنسا أو عصا أو حتى عمامة
لأنَّ هذه الأشياء هي أهمّ ما يملكه الإنسان الكاتبة في حياتها وهي طريقه الوحيدة للخلود بعد رحيل الاب عن الدنيا رغم كل مظاهر البرد إلّا أنّ حضن أب هو دفء العالم … حضنه يفوق كلّ أغطية العالم
لذالك أرى أن جل نصوص الكاتبة هي من نتاج النوستالجيا، فالماضي دائما هو الأجمل والأكمل عند آمال صالح
رحم الله (عودٍ على الطيب رباك)
..وأسكنه الفردوس الأعلى من جناته
وعجل الله شفاء والدي الحنون ووالدتي
من أدين لهما بالفضل كل الفضل
ودمت مبدعة رائعة أيتها الابنة البارة..
وشكراً لهذا العطر المنسكب الذي أثار إنتعاشنا



















