نوفيلا «1997» لحميد عقبي: مشهدية تكشف واقعية اليمن في ظل التسعينيات
خاص باريس
صدرت عن دار السرد للطباعة والنشر والتوزيع في بغداد نوفيلا «1997» للكاتب والمخرج اليمني حميد عقبي ـ المقيم في فرنسا، العمل تجربة سردية لافتة تميل إلى التكثيف والكتابة المشهدية، مبتعدة عن الفنتازيا التي ميّزت أجزاء واسعة من أعماله السابقة. في هذا النص يتقدم الواقع بقسوته إلى الواجهة، ليبرهن أنه — في يمن التسعينيات — أكثر جنونًا من أي خيال.
تدور الرواية في إطار زمني لم يتجاوز عشر ساعات، تبدأ بوصول الراوي إلى مطار صنعاء قادمًا من بغداد بعد إنهاء دراسته الفنية، ثم صعوده إلى سيارة أجرة متجهة نحو الحديدة (طريق مناخة). هنا تبدأ سلسلة من المشاهد الخاطفة التي تشكّل قلب العمل: العديد من الانزلاقات الخطرة على حافة الجبال، نقطة تفتيش تحتجز الركاب لساعات في انتظار قافلة رئاسية، ضباع تقترب من الطريق، وسائق يقود مركبته كربّان سفينة يعبر العتمة.
تتشكل داخل هذا العالم (السيارة) عوالم صغيرة لشخصيات مختلفة من بسطاء أهل الحديدة: فلاح منهوب الأرض، جدة تحمل حفيدها السمين“المبروك”، والد لتوأم مريضة تم رفض طلبهم منحة طبية، وسائق واسع الحيلة. لا يروي العقبي حكاياتهم بوصف مباشر ومسترسل،لكنه يترك الأفعال تتحدث، والحوار يحاول أن ينحت المعنى، واللحظات الصغيرة تولّد ثيمات كبيرة: الفساد، الخوف، هشاشة الإنسان، وانهيار الثقة بين الشعب والسلطة.
ربما من جماليات هذه الرواية أنها تقوم على اقتصاد لغوي صارم بفضل تقنية 50 فصلًا × 100 كلمة، ما يجعل كل فصل بمثابة لقطة سينمائية مكثّفة. لا مكان للخطابة أو الشرح، بل حركة، صمت، ارتجاف، ودهشة.
وفي هذا الإيقاع السريع يتحول الطريق إلى رمز لوطن مرهق، وإلى مرآة لمرحلة تاريخية كان الفساد فيها يعصف بالبلاد إلى درجة تدفع الشخصيات — وربما القارئ — نحو حافة الجنون.
بهذا العمل، يقدّم حميد عقبي واحدة من أكثر رواياته واقعية. وقد كتب عقبي سبع روايات بتقنية 50 فصلًا × 100 كلمة، فيما اعتمد في أعمال أخرى بنية 50 فصلًا × 200 كلمة، و25 فصلًا × 250 كلمة، و30 فصلًا × 300 كلمة، ليؤسس ما يشبه مختبرًا مفتوحًا لتطوير “الرواية القصيرة المكثفة” في الأدب العربي. ومع صدور «1997» يرتفع رصيده الروائي إلى خمسة وعشرين عملًا منشورًا.


















