جمالية الصورة وأثرها التخييلي في نص الشاعر أحمد الجعمي
(إياك أعشق)
أ.مشارك د. عبدالفتاح محمد سالم صالح السيد
أستاذ الأدب الأندلسي والبلاغة جامعة عدن
إنّي هلكت بفرط الحب يا قاسي
لا أهتدي من ضلالي في هواك وفي
إني أحبك حبا للحياة وكم
قد شفني الوجد بحثاً عنك يا أملا
أنت الشعور الذي دوماً يغازلني
تصبو إليك الحواس الخمس قائلةُ
متى أفوز بحظٍّ أو يقلدني
إياك أعشق يا حباً أدونه
فامدد إليَّ بحبل منك نجعله
ولا تذرني وحيداً أحتسي ألمَ الهـ
عساك تذكرني إن كنت لي ناسي
درب اليقين قطعت الشك بالفاسِ
إلى التداني تدق اليوم أجراسي
تشع أنواره في نبض إحساسي
وميض حرفك يا مشكاة نبراسي
متى ترق لها يا كل إيناسي؟
ورداً ويجعل لي تاجاً على رأسي؟
حرفاً وأرسمه طيفاً بقرطاسي
درباً إلى الوصل يا روحي وأنفاسي
ـجران ماسح نار الوجد من كاسي
التخييل هو الأثر الناتج عن استخدام الشاعر للخيال، ويُقصد به الطريقة التي يُقنع بها الشاعر المتلقي بحقيقة الصورة الشعرية أو الفكرة الإبداعية، حتى لو كانت خيالية. ويُركز التخييل على العملية الجمالية التي تؤثر على المتلقي من خلال الصور الشعرية والمجازات والتشبيهات. كما يعتمد التخييل على قوة اللغة والأسلوب الفني في إثارة المتلقي وجعله يعيش التجربة وكأنها حقيقة.
عند تمثل الأبيات السابقة نجد الشاعر الجعمي يحمّل القصيدة جمالاً شعرياً بديعاً يمتزج فيه قوة العاطفة وعمق الصورة التخييلية بأسلوب ينساب بسلاسة بين الحب والشوق والرجاء. ففي قوله: “إنّي هلكت بفرط الحب يا قاسي”، نجد الجملة تحمل تضخيماً لشدة المعاناة في الحب، وكأن الحب قوة مدمرة تؤدي إلى الهلاك. هذا التضخيم يعكس شدة العاطفة ويجذب القارئ للتعاطف معه. وفي قوله: “درب اليقين قطعت الشك بالفاسِ”: صورة حية، يشبه فيها الشاعر اليقين والشك بالغابة التي تُقطع بالفأس. هذه الصورة تعبر عن اجتياز الشاعر شكوكه للوصول إلى حبه بيقين جازم. كما نجده يخوض في التعبير عن الشوق والوجد بقوله: “قد شفني الوجد بحثاً عنك يا أملا”، مستخدمً الاستعارة المكنية من خلال استعمال التصوير التشخيصي للفظة الوجد من خلال تشبيهها بإنسان حذف المشبه الإنسان وذكر لازمًا من لوازمه البحث والتنقيب، فيصوره هنا كقوة تضعف الجسد وتشفه. استخدام “شفني” يعبر عن عمق الألم الناجم عن الشوق. وبالانتقال إلى قوله: “تشع أنواره في نبض إحساسي”: حيث يُشبّه الأمل هنا بالمصباح المضيء الذي ينير وجدان الشاعر، مما يعمق الأثر العاطفي ويضفي حيوية على الصورة.
كما كان هناك نصيب للشعور بالمناجاة والتوسل، بقوله: “إياك أعشق يا حباً أدونه”، فالمناجاة هنا تمزج بين الاعتراف بالحب وتخليده عبر الكتابة، مما يجعل الحب غير عابر بل دائم، وذلك من خلال تقديم المفعول به (إياك)، التي تمثل خصوصية العشق الملتصقة بالمحبوبة دون غيرها.
وفي قوله: “فامدد إليَّ بحبل منك نجعله”: وهنا نلاحظ الحاجة إلى وسيلة الاتصال الهامة من خلال استعمال صورة الحبل كوسيلة للوصل تخلق انطباعاً بالاحتياج الملح للاتصال والاقتراب من المحبوب. الإحساس بالحواس:
وبتمثل الحواس وتراسلها بين الشاعر ومحبوبته يظهر بقوله: “تصبو إليك الحواس الخمس قائلةُ”:
هذه الصورة تعبر عن اندماج كيان المحب كله في الحب. كما يتبين أن الحواس الخمس ليست مجرد أعضاء مادية بل أدوات للتعبير عن شوق داخلي عميق، يطمح من خلاله إلى الوصل إلى هدف أسمى وغاية عظيم يرجو تحققه بين المحبين مستخدماً الاستفهام غير الحقيقي الذي يهدف إلى الاستعطاف والاسترحام المرجو من المحبوبة، بقوله: “متى ترق لها يا كل إيناسي؟”، فيجسد استخدام لفظة (إيناسي) المحبوب كمصدر لكل المؤانسة والراحة، مما يضفي على العلاقة طابعاً مثالياً شاملاً.
كما أن للأثر التخييلي صور وأبعاد كثيرة في النص، فنجده متمثلاً بقوله: “ولا تذرني وحيداً أحتسي ألمَ الهجران”، حيث تتمثل جمالية الصورة تصوير الكأس الممتلئة بألم الهجران التي تنقل إحساس الوحدة واليأس بطريقة ملموسة. فيشبه الهجر بالخمر المرّ الذي يُشرب رغماً عن النفس.
وأما من ناحية الموسيقى وجرسها الموسيقي، فالأبيات تتسم بجرس موسيقي عذب يساهم في تعزيز الأثر العاطفي. وتكرار القوافي والكلمات ذات الطابع الصوتي الجذاب يخلق انسجاماً داخلياً.
وبصورة مجملة يمكننا تمثل الأثر الجمالي التخييل في النص الذي ينقل القارئ إلى عالم مشبع بالشجن والعاطفة الصادقة، والصور الحية، والمجازات الغنية، واللغة الموسيقية، تسهم في رسم لوحة وجدانية تعبر عن عمق الحب والرجاء، مما يجعلها تعلق في ذهن القارئ وتثير تأمله في طبيعة العواطف الإنسانية.



















