لذعات الغرام
قصة
اكفهرّ وجه السّماء وسكبت غضبها على عماد عندما ساقته قدميه إلى منزل أهلها بل هو قصر من العاج إن صحّ التّعبير ،لم يكن في موقف يُحسد عليه فالإعصار بدأ يضرب أعماقه عند أوّل سؤال متوقّع تعرّض له ( أخبرنا عن وضعك الماديّ) ..
عاد أدراجه خائباً ،كطفل انزلق من رحم أمّه على حافّة الهاوية ،على ما يبدو أنّ أحلامه ألقت به في محيطات الألم وقذفته إلى فضاء ممتلئ خِواء ..
صحيح أنّه فقير الحال ولكن في داخله ثروة لا تُحصى من الحبّ ،فقط هو ذنب الحياة الّتي تستمرّ على سكّتها راكضةً غير آبهة بمن يسقط من قطارها المسرع ثملاً أو يقفز منه لسبب نبيل ،إنّها الحياة تحرق في مِرجلها كلّ الوجوه ..
مرّت شهور عدّة وهما في حالة يُرثى لها وما من بصيص ضوء في هذه العتمة الحالكة إلى أن رنّ هاتف عماد ذات صباح و رفع السّمّاعة
غادة :صباح الخير
عماد :صباح الخير غادتي كيف حالك ؟
غادة :منذ ذلك اليوم المجرم بحقّ حبّنا وأنا كآثار نزف أُحتَضر ،المرض لم يدعني وشأني فقد نال منّي ،أثناء مراجعة الطّبيب اتّضح أنّه لديّ مشكلة في الكلية ويجب استئصالها حالاً
قاطعها بصوت مرتجف :ماذا تقولين ؟لا لا من الممكن أن يكون هناك خطأ في التّشخيص اذهبي لاستشارة طبيب آخر
أجابته :لا يا عماد ..أجريت التّحاليل الّلازمة والنّتيجة واحدة
عماد :من سيتبرّع لك بكلية أخرى ؟
غادة :لا أحد ،أهلي لديهم مشاكل في الكلى لا تسمح لهم بالتّبرّع لي ، فقط سيتمّ استئصالها وأمضي حياتي بكلية واحدة .. لا تقلق فالحياة من بعدك لا تلزمني
عماد :متى موعد العمليّة ؟
غادة :الأسبوع المقبل ..أريدك قربي بدعواتك وصلاتك
غصّ عماد بالكلام ووضع السّمّاعة من يده دون وداع ..
خلال الأسبوع لم يقف عماد مكتوف الأيدي أخذ عنوان الطّبيب وذهب إليه ..
حان موعد العمل الجراحي وغادة في حيرة وتساؤل لماذا لم يتّصل بي عماد ليزوّدني بجرعة أمل ؟
فُتِح باب غرفة العمليّات والجميع ينتظر خروج غادة بحرقة أعصاب ..
الطّبيب :الحمدللّه تمّ الاستئصال ومن ثمّ الزّرع بنجاح والمريضة بحالة جيّدة
أصابت الدّهشة والديها ،نظرا بغرابة إلى بعضهما وسأل والدها الطّبيب :
تقول الزّرع ؟من المتبرّع وكيف ؟
الطّبيب :إنّه شخص أصرّ على بقاء الأمر سرّاً والآن عندما يخرج إلى غرفته ستتعرّفون عليه
تدخّل عنصر المفاجأة في تغيير القدر في الّلحظة الّتي ظهر لهم عماد ..
بعد مرور عدّة أسابيع أوقد والد غادة شمعة وسط الظّلام قائلاً لابنته :ربّما للغرام لذعات أوجعتكِ ولكنّها جعلتني أدرك أنّكِ ستكونين أميرة مدلّلة بين يديّ عماد ،اتّصلي به وأخبريه أنّنا بانتظاره .
القاصة هند خضر… سوريا
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي