للعشق أغنية اللهب
ومضات
بين الإدهاش والمتعة *
الومضة فن قديم في الشعر العربي عرفه العرب، والمقصود بها قصيدة البيت الواحد، التي فيها من التكثيف والإدهاش، فهي عبارة عن لحظة أو مشهد أو موقف أو إحساس خاطف يمر في الذهن، ويصاغ بألفاظ قليلة ومعان كثيرة.
وفي (للعشق أغنية اللهب) كل هذا مع المتعة التي تدخل على قلب المتلقي الفرح وهذه غاية الشعر والفن عمومًا، ومع الإدهاش الذي هو حالة من الحيرة التي تبعث على التأمل وتجعل المتلقي في حالة يقظة واستمرار في المتعة.
في (للعشق أغنية اللهب) نبض إحساس، ولغة سهلة تصور حياة الناس من حب ومن أفراح وأتراح، إنها ومضات مفكر، وسبحات شاعر، وتأمل فيلسوف، تكتب الشاعرة غادة الحسيني ومضاتها بقلبها ولا تنسى التفكير بعقلها، لتصبح الومضة متأرجحة بين العقل والقلب، وهذا هو الشعر، حالة بين بين، غادة الحسيني تعبر عما يجيش بقلبها مع إحكام عقلها، لتاخذك في رحلة اللغة إلى عالمها الوثير، في لغة موجزة تشهد لها بالفصاحة والبيان، تتكئ في ذلك على خبرة حياتية مكنتها من سبر أغوار النفس البشرية، واعطتها مساحة من الحرية في التعبير عما يجيش بصدرها.
(للعشق أغنية اللهب) إيقاع موسيقي من الأنغام العذبة تارة يأتي في ثوب شعر وتارة في ثوب نثر، وبينهما ثورة وفورة بركان من المشاعر والحب والتجلي إنها حالة من الرومانسية الآخذة، وثروة ثمينة تضاف للأدب العربي الحديث، والعنوان موحي أن العشق الذي يفجر الإبداع لأنه لهيب وغناء وامتزج
بالشعر، والعشق مع الشعر يجعل الفن في أعلى درجات التجلي، والتخلي عن الأرض والصعود للسماء، في حالة صوفية نادرة الوجود.
تبدأ غادة الحسيني ومضاتها محلقة كالنسر في شموخ وإباء وعلو متسلحة بالحب، بلغتها العذبة وروحها الوثابة، مبتعدة عن الابتذال، وكأنها تقول لمن يريد أن يدخل إلى عالمها الأدبي، احترس فأنا امرأة قوية، عالية المكان، سلاحي الحب في وجه الحياة، وما أجمله من سلاح، إنه الحب القادر على تغيير وجه العالم للأفضل، شريطة أن يؤمن الناس بالحب، ويخلصوا له، ويعرفون قيمته، هذا الحب الذي يصاحبها في صحوها ونومها، فتمتزج الأحلام بالأنسام والجمال الذي يعيد لها صورة الحب :
رَأيتُكَ فِي المنَامِ
تَرسمُ البسمةَ
عَلىٰ وجهِ الغمَامِ
إنه استدعاء للحب وليس للحبيب، فالصورة واضحة في ما تفصح عنه الشاعرة، من أن الحب هو الوحيد القادر علىٰ إعادة البسمة إلى وجوهنا، ثم تقدم الشاعرة لنا تعريفها للحب، وهو تعريف خاص بها اتفقت أو اختلفت معها في تعريفها للحب، إلا أنك لا تملك إلا أن تذعن لتعريفها للحب بلغة أخذة وبلاغة عالية:
الحُبُ أَنْ تُسعدَ نفسكَ
مَع ضبطِ هَواكَ
لِمَن يَبغِي رِضاكَ
إذًا الحب سعادة، ومن وظيفتة أن يسعدك وإلا لا داعي له ولا فائدة منه،وهي بهذا صادقة مع نفسها دون أن تتجمل باللغة وتلعب بالألفاظ، ومع إسعاد النفس لا تنسى سعادة المحبوب والسعي إلى رضاه بعيدًا عن الأنا وحب الذات التي تفضي أحيانًا إلىٰ الابتعاد، ألم أقل لك إن الشاعرة فيها روح الفيلسوف، وبراعة العارف، في (للعشق أغنية اللهب) موسيقى انشطارية، بمعنى الانقسام بين الفرح والحزن، شأنها شأن الحياة، فهي تدخل إلىٰ عالم الليل الذي هو رمز السكون والراحة، إلى عالم الانشطار:
فِي الليلِ يَنشطرُ الحَنين
قَمرٌ يُضيءُ لَنا السكُون
نِصفٌ بِعشقكَ أَرتوِي
وَالنصفُ مِسودٌ حَزين
إنها حالة من التضاد الذي يظهر الحالة النفسية ويقوي انبعاث الألم منها، ضدان لما استجمعا حسنا
والضد يظهر حسنه الضد.
فالليل لدى الشاعرة منشطر، يلفه السكون والحزن، في حالة تبعث على الواقع الذي يحياه معظم الناس، حب ولا حب، زواج ولا زواج، وهي بذلك تعبر عن واقع وقطاع كبير من البشر الذين يعشقون ولا يعشقون، فنصف حياتهم فرح بالعشق، والعشق في حد ذاته هو السبب لتعاستهم،إنه العشق، ودقات القلب التي كلما دقت – كما تقول الشاعرة- تعلن رضاك.
إنه عشق يورث الإرق، وكأنها تردد مع المتنبي:
أَرقٌ عَلى أَرقٍ وَمثلِي يَأرق
وَجوىً يَنوحُ وَعبرةٌ تًتَرقرَق
وَعَذلتُ أَهلَ العشقِ حَتى ذُقتُه
فَعجبتُ كَيفَ يَموتُ مَنْ لَا يَعشق
إنه العشق سر تفضحة العيون يسرق الروح، فيطرب الجسد، وتهدأ النفس، وتطيب الحياة، ويغفو الحنين، يستوي في ذلك القرب، والبعد فالعاشق مسكون بمن يحب.
(للعشق أغنية اللهب) دوران حول الحب بكل تجلياته وصوره وما يُعرض للإنسان في حياته في مراحل عمره المختلفة، ليكون الحب هو الحارس له منذ أن بدأ يدرك الحياة.
جسدت الشاعرة الحب إنسانًا يمشي على قدمين، ووظفت اللغة في إعطاء (كبسولات) أدبية من خلال تجاربها وخبرتها بالحياة والحب، لتفتح المجال واسعًا أمام فن الومضة وما له من دور في إمتاع الجيل الحاضر الذي ابتعد عن الأدب والشعر وصار يشاهد ولا يقرأ.
والمطالع (للعشق أغنية اللهب) يجد الثقافة الإسلامية واضحة والاقتباس من الموروث الديني:
عَيناكَ مَلحمةُ الخَلَاص
وَسورة الإخلَاص
عَيناكَ ياَ عَيناكَ
قُبلة عَابدٍ
عَشقَ الصلَاة
وَتَاه فِي الخلَواتِ
وَفي حديثها أيضا عَن الصيام دليل واضح على ثقافتها الإسلامية ولا غرو في ذلك فهي من أسرة عريقة تنتمي إلى البيوت العلمية والحوزات الدينية.
وتختم الشاعرة ومضاتها بما يتناسق وينجسم مع البداية:
مسكينٌ مَنْ يَظن
أَن الأُنثَىٰ كَالمَتاعِ أَو مَنالًا لِلضياعِ
أَننا وَهجٌ مِن الأَحلامِ
وَالإبداعِ
فِي عَصرِ الضياعِ
فالبداية والنهاية شموخ وإباء، وما بين البداية والنهاية رحلة ماتعة من الإبداع التي أترك للمتلقي أن يغوص فيها، فيخرج كنوزها فلا أجمل من أن تعيش الرحلة بنفسك وترى ربما ما لا يراه الآخرون.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- ناصر رمضان عبد الحميد
عضو إتحاد كتاب مصر
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي