هذه قصيدتي عن اللغة العربية، كتبتُ مطلعها من وحي موقف مررت به في فندق ليوبليانا ريزورت في مدينة ليوبليانا عاصمة سلوفينيا في عام ٢٠١٢.
وهذه الصورة من داخل المنتجع التابع لهذا الفندق بجوار الوحدات السكنية.
عَرَبٌ في فندقٍ أعجمي
كان الحديث سجالًا بيننا مَرِحًا
بينا تراقبنا الشقراءُ في عَجَبِ
قالت لنا وهْي ترنو في هويَّتنا
وومضةُ الدهشةِ الخضراء في الهُدُبِ
أيَفْهَم البعضُ بعضًا في تحاوركم
وفي البيانات كُلٌّ جاء من حَدَبِ
لا تعجبي يا فتاتي كلنا عَرَبٌ
وأَدرَكَ القلبُ مَعْنى المَوْطِن العربي
نحن الذين أَظَلَّتْ أرضَهم لُغَةٌ
كَمْ قَطَّرَتْ شَهْدَ قول الله في الحِقَبِ
هي التئام شتات الفكر في كَلِمٍ
على رياح المعاني غير مضطربِ
هي اختزال براح الكون في نَسَقٍ
من الحروف دقيقٍ بالغ الأربِ
هي انسجام المعاني في ملابسها
كأنما الحرف مخلوقٌ لِذَا اللَّقبِ
ليس الترادف فيها مَحْضَ ثرثرةٍ
لكنها خِبْرَةُ القسطاس بالذهبِ
في سِرِّها القربُ والبُعْدُ المميِّز ما
بين الرَّباب وبين الغيم والسُّحُبِ
للناطقين بها بين الورى شَرَفٌ
يكسو الوجوهَ جلالًا غير محتجِبِ
إذا طَغَتْ خطراتُ النفس واحتدمَتْ
كانت ملاذَ فؤادٍ ضَجَّ في النَّصَبِ
أوى إليها وأوتارٌ به طربتْ
في واحة الحسن لا في ساحة الصّخَبِ
ألفاظها عائلاتٌ لا لقيط بها
تزاوجت فَزَهَتْ في دوحة النَّسَبِ
ما ذاقت الأُذْنُ من إيقاع حكمتها
إلا هَوَى العقلُ مخمورًا من الطَّرَبِ
يا حائرًا ليس يدري سِرَّ روعتها
ذُق الجمالَ ولا تسأل عن السببِ
كم غاصبٍ راح يمحوها بلكنتِهِ
فاستعمَرَتْهُ بسيف السِّحْرِ والأدَبِ
تَفْنَى لغاتُ البرايا وهْي خالدةٌ
في العالمين خلود الذِّكْر في الكُتُبِ
لم يُعْيِها في سِبَاق العِلْم مُصْطَلَحٌ
فَهْيَ الأصالة في أثوابها القُشُبِ
إنْ يُنْكِر الأغبياءُ المحدثون شذًا
منها فما حاجة الدنيا لرأي غبي
الآكلون جناها الجاحدون لها
البائعون رخامَ القصر بالخشبِ
استشرَقَ الغربُ مبهورًا بفتنتها
واستغرَبَ الشرقُ كَمْ في الشرق من عَجَبِ
يا قاطعًا صِلَةَ الأجداد مبتهجًا
بالغَثِّ يا من شريتَ الكأسَ بالحَبَبِ
النور عندكَ شمسٌ لا مَغِيب لها
وتستضيء ببعض النار في الحَطَبِ
وقد جَحَدْتَ لسانًا غيرَ ذي عِوَجٍ
بعُجْمَةٍ من دعاوَى التِّيهِ بالكذبِ
مَنْ ذا يطاول بنيانًا بقامتها
أركانُهُ تتحدّى كُلَّ مُقْتَرِبِ
تقول كَمْ مِنْ سهامٍ ذُدْتُ عن جسدي
فما ضَمَمْتُ جناحَ البأس من رَهَبِ
لها رجالٌ أقاموا صرحَ عِزَّتها
مُمَرَّدًا فوق ميراثٍ من الحَسَبِ
مرصَّعًا بأحاديث الألَى غَرَبَتْ
أعمارُهم وضياءُ العُمْر لم يَغِبِ
كانت مجامعها فسطاطَ عسكرهم
وكم عَلا نَجْمُ ذا الفسطاط من شُهُبِ
هم الجنود الذين استنهضوا هِمَمَ الـ
أقلام فانتفضَتْ سيلًا من الغَضَبِ
قد آمنوا أن توحيد اللسان على
شَتَّى القلوبِ مُذيبٌ غِلْظَةَ الحُجُبِ
إذا استقام لسانُ القوم كان لهم
حِصْنًا يؤرق عينيْ كُلِّ مغتصِبِ
لم يرتشفْ لَذَّةَ الفرقان مُذْ عُرِفَتْ
مَنْ لا خَلاقَ لَهُ من مَنْطِق العربِ ***************************
منتصر ثروت القاضي
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي