بين النقد العربي والنقد الغربي:
استطاع النقاد العرب منذ قرون أن يقدموا نظرية (جمالية) أدبية قبل مدارس النقد الغربي التي تعنى )بالتشكيل الجمالي) لا الثقافي أو الموضوعي مثل (الشكلانية الروسية Russian formalism- مدرسة النقد الحديث New criticism ) ومن يطالع مقولات بشر بن المعتمر والجاحظ وعبد القاهر الجرجاني وغيرهم من نقادنا العظماء، يندهش من تلك الدقة والرصانة في التنظير للجمال الأدبي، وسأظل دائما أردد أن الجاحظ أحد معالم النقد الكبرى، و أنه (ربما )لا توجد مقولة نقدية غربية إلا ولها نظير عربي سابق لها ، ويكفي هنا أن أدلل بمقولتين ، إحداهما لناقد شكلاني روسي هو أوسيب ماكسيموفيتش بريك Осип Максимович Брик
، والثانية للشاعر وللناقد الأنجلو أمريكي تي .إس .إليوت .
يقول أوسيب :
“
“we have this very bad tendency when we read poetry to pay more attention to meaning than sound. We think the meaning of words in a poem is more important than the sounds of words. Which actually is total baloney.”
إن لدينا هذا النزوع السيء عندما نقرأ الشعر .. وهو أننا نلتفت إلى المعنى أكثر من الصوت (الألفاظ) .نحن نعتقد (خطأ) أن معاني الكلمات في القصيدة أكثر أهمية من الألفاظ و هو محض هراء.
وقد أشار إليوت في مقاله الشهير ” التقليد و الموهبة الفردية”: Tradition and the individual talent إلى المعنى نفسه تقريبا في سياق رده على مقالات الرومانتيكيين ، حيث يرفض إليوت أن يكون الشعر نابعا من العاطفة وحدها أو المشاعر فقط ، و إنما قضية الشعر هي قضية التراكيب الفنية.
ويقول الجاحظ منذ أكثر من 1000سنة قبل هؤلاء :
” والمعاني مطروحة في الطريق، يعرفها العجمى والعربي، والبدوي والقروي، وإنما الشأن في إقامة الوزن، وتخير اللفظ، وسهولة المخرج وكثرة الماء، وفي صحة الطبع، وجودة السبك، فإنما الشعر صياغة، وضرب من التصوير”
ولعلكم تلحظون الفارق الكبير بين تعبير الجاحظ الرصين و المحكم و الدقيق علميا ..فهو لا يرفض قيمة المعنى كما ظن البعض ، ولكنه يعتبره متاحا للجميع و في كل الأمم ، و العبرة – عند الجاحظ – بقيمة الألفاظ و التراكيب و التصوير ، وهو أعمق بكثير من كلام الشكلاني أوسيب بريك و تيإس إليوت.
لهذا قل :
لم يكن الجاحظ شكلانيا بل كان الشكلاني جاحظيا .
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي