الشاعر والوطن
د.رفعت شميس
أخفى الملامح إذ رآني قادما
أيظنّ أني ما عرفتُ ملثما
” بويا” يردد لفظها .. وكأنه
ما كان يوماً دارساً متعلما
يا للثقافة كيف صارت عندنا
فوق الرصيف مهانة كي تعدم
دعني وشأني .. قالها مستطرداً
هزواً تريد ؟ شماتةً وتهكما ؟
يا صاح مهلا.. ما يجول بداخلي
يدمي القلوب تحرقاً وتألما
ما حلّ في وطني عصيٌ شرحه
إنّ الرضيع لهوله قد أهرم
حتى القوافي لا تحيط بوصفه
عجز القريض وشاعر لو ألهم
خطب تمادى في البقاء وأعقلت
أركانه شداً وثيقاً محكما
تترى المصائب، لا تزول مصيبة
إلا وأخرى لا تقلّ تشاؤما
دعني وشأني .ثم أردف باكيا
هُجّرْتُ ليلاً من دياريَ مرغما
والموت حولي والنفوس كئيبة
غنمَ اللصوص دفاتري والمقلمهْ
وطني يدنسه الفسادُ وبعضهم
أعمى أصمّ فكيف يلقى الأبكمَ
يزداد تيها قد تطاول قدّه
ملأ السماء رعونة والأنجم
فإذا خرجت على السكوت لنقده
فكأنما أدنوت منه الميسم
ويظلّ يردف بالسباب كلامه
يرغي ويزبد غاضبا متبرما
كم جائع بات الليالي طاويا
يلقى القمامة بعد لأي مطعما
أحقيقة هذا الذي يجري لنا؟
أيكون حلماً مزعجاً وتوهما
ومضيت أسعى للرحيل مهاجراً
فازداد وضعي في الحضيض تأزما
كيف السبيل إلى العبور.. وقيل لي
عند الحدود مهرّب .. لن تندم
البحر قبر والعديد تحملّوا
وزر الأفاعي في القتال تأثما
والواصلون تفرقوا في غربة
كان الحنين من الرجوع لأرحم
والقاطنون خيامهم في عزلة
اللاجئون الشاربون العلقم
والعالقون على الحدود تجمعوا
سعياً لدنيا أن يصيبوا ربما
والثاكلات قلوبَهنّ نحيبهنْ
يبكي الصخور تصدعاً وتألما
كم راحلاً؟ هذا السؤال محير
فتش تجد في كل بيت مأتما
والخطف صار تجارة والمفتدى
يحكي لنا بعضا ويخفي الأعظم
سلب ونهب والتسول مهنة
ومُتاجرٌ جعل الغلاء جهنما
لا مال عندي كي أعيش بنعمة
وعلى الرصيف كرامتي لن تعدم
قد كنت في است الزمان مُعلّماً
أصبحت في مسح الحذاء معلما
لهفي على شعب تفرق شمله
بئس الربيع لأن يكون المجرمَ
حق علينا أن نصون ديارنا
حق لنا في أن نعيش ونحلمَ
حق علينا أن نلملمَ شملنا
لا نرتضي لديارنا أن تقسم
أفردْ يديكَ معانقاً متبسماً
ودعِ الخصامَ مسامحاً من سلّمَ
فالحقدُ نار في سعير أجيجها
يُكوى بها بحميمها،من أضرم
والثأرُ زرعةُ كافرٍ لا يجتني
عند النضوج بحقله إلا الدم
إن الحياة قصيرة فلتنقضي
في طيب عيشٍ لا أسى وتجهّما
مات الكثير ، أحبة ، أهل لنا
الهج لسانك بالدعاء ترحما
نمضي إلى أجل مسمى مثلما
سبق الأحبة لاحقاً متنعما
يوم القيامة سوف يحكم عادل
يا حبذا العدل الذي… ما أحكم
عارضْ وأيّدْ فالخلاف قضية
ما أفسدت ودّاً لذي عقلٍ سما
وارفع هتافك صارخاً لا للفتنْ
لا للسلاح مجندلا أو هادما
إن العقيدة زادها أن تتقي
إن عارباً مستعرباً أو أعجما
وارجع لعهدك في الأصالة إنما
قد كنت في وطن الحضارة مَعْلما
داوي الجراح معايداً من أكلما
ماذا يضيرك أن تكون البلسما
حاور أخاك بحكمة وتعقل
بئس الحوار إذا الرصاص تكلم
وطني لكل مدافع عنه إذا
أهماج بغي حاولت مس الحما
ويظلّ للأجيال موطنهم بما
ورثوا فكن نعم المورث منجما
واعمرْ بلادك بالمحبة مثلما
ترعى الديار مخافة أن تهدما
—————————
مفردات قد يلتبس فيها المعنى :
بويا : كلمة تركية بالأصل بمعنى الدهان دخلت العامية السورية ويستخدمها ماسح الأحذية.
الكافر : الفلاح الذي ينثر الحب ويستره في التراب .
تترى : متتابعة .
مجندلاً : الجنادل بالأصل الحجارة متجمعة . ومجندلاً هنا بمعنى قابراً .
أهماج : جمع قلة من همج – ومفرده همجي . الذي يعمل بلا منهج ولا تفكير.
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي