السَّبابَةُ وَالإِبْهَام
شعر: محمد علي الرباوي
أَعْرِفُ أَنَّكَ يَا رَبِّ، وَهَبْتَ الْعَبْدَ يَدَيْنِ. وَقُلْتَ لِهذَا الْعَبْدِ الْهَارِبِ مِنِّي: خُذْ بِالسَّبَّابَةِ، وَالإِبْهَامِ اللُّقْمَةَ. ضَعْ مَا يَتَيَسَّرُ مِنْهَا فِي فَمِكَ الْوَاسِعِ. خَلِّ الْبَاقِي لِلْجَائِعِ؛ قَدْ يَطْرُقُ بَابَكَ حِينَ تَهُبُّ عَلَيْهِ جِمَارُ الْآهْ. وَأَنَا أَتَسَلَّقُ بِالْعَيْنَيْنِ اللُّقْمَةَ، دَاهَمَنِي اللَّيْلُ الْقَارِسُ، كَانَتْ هَذِي السَّبَّابَةُ، مُنْذُ الْمِيلَادِ، تَحُطُّ بِكَلْكَلِهَا الْحَارِّ عَلَى جَمْرِ زِنَادِ مُسَدَّسِيَ الْأَزْرَقِ. سَدَّدْتُ أَنَا غَضَبِي الصِّرَّ إِلَى رَاعِي الْغَنَمِ الْمَسْكُونِ بِنُورِ الْفَجْرِ السَّابِحِ فِي مَلَكُوتِكَ. أَطْلَقْتُ النَّارَ؛ إِذَا الْأَرْضُ الْعَطْشَى تَفْتَحُ فَاهَا. تَشْرَبُ مِنْ يَدِيَ الْيُمْنَى دَمِيَ الْمُرَّ مَرَارَةَ هَذِي الْآهْ. هَا أَنَذَا قُدَّامَكَ، يَا رَبِّ، أَبُوءُ بِإِثْمَيْنِ، أَجُرُّ وَرَائِي جُثَّتِيَ الْمَنْخُورَةَ، أَرْقُبُ فِي الْبَيْدَاءِ الشَّاسِعَةِ الْأَرْجَاءِ مَلَاكًا بِجَنَاحَيْنِ يُبَصِّرُنِي بِعَذابي، وَخَرَابي، وَيُغَطِّينِي بِتُرَابِ الْأَرْضِ الْمَجَرُوحَةِ. وَيْحِي إِنْ ظَلَّ الْخَنَزُ الصَّادِرُ مِنِّي يُورِقُ فِي هَذِي الْأَرْضِ، يَدُلُّ الدُّودَ عَلَيَّ، فَيَأْخُذُ لُقْمَتَهُ مِنْ هَذي الْجُثَّةِ. هَا إِنِّي أَلْمَحُهُ يَأْخُذُهَا بِالسَّبَّابَةِ، وَالْإِبْهَامِ، وَيَتْرُكُ مَا يَتَبَقَّى مِنِّي لِلْجَائِعِ قَدْ يَطْرُقُ بَابِي حِينَ تَهُبُّ عَلَيْهِ جِمَارُ الْآهْ.
حِينَ تَهُبُّ عَلَيْهِ جِمَارُ الْآهْ
آهْ..
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي