أودُّ لو أكون..
أرغب في مغادرة نفسي بين كل حينٍ وآخر. أن أكون الرياحَ حين تهتدي إلى السكون، والعاصفة حين يعانقها هدوء البحر، والموج الذي ينامُ على ضفةِ كل ملجئٍ ويابسة، دونَ تفكيرٍ ولا قلق. أود لو أكون القمرَ الذي يتدفأ بشعاع حبٍّ غير مشروط، وأن انعكس بردائي الأبيضَ لأقشع السوادَ عن كل هذي الليالي المظلمة. أود لو أكون وطناً لكلِّ سائلٍ ومغترب، وغريباً لكلِّ دمعةٍ أو حزن. أود لو أكون خلاص كل باحثٍ ومحارب، وصلاة كل كافرٍ وغائب، ورفيق كل روحٍ تتخبط وحدها أسفل التراب وفوقه. أودُّ لو تنفجرُ في وجداني شعلةً، تمدُ الدفءَ في قلب كل عاشقٍ أسير، فأهديهم لعشقٍ يحررهم، هو أعظم من كل ذلك بكثير. وأن أكون الشمس! أود لو أكون الشمسَ حين تنجب شعاعها الدافئَ من خامة كلِّ عنصرٍ ومُركّب. أود لو أكون السحابَ الأبيضَ النقي، أظللُ كلَّ هلَعٍ فأمحوه، وأروي كل عطِشٍ فأرتوي. وأن أكون لؤلؤيَّاً وامضاً بالسحر، كفضاء الإله البعيد القريب. أود لو أكون أمَّاً، أنسج نسيجي من العدم فأخلق حياة، وأجبلُ نفسي على التضحية فأجلب أمل. أودُّ لو أكون نهراً يركضُ لنجدةِ كل بحرٍ غارقٍ في ظلامه، وحديقة النخيل الشامخ المزهرة، أطعمُ كل عذراءٍ دونَ أن يُهزَّ جذعُ أشجاري، قبل أن تنضج ثماري حتى. أودُّ لو أكون طفلاً من جديد، لأجعل نفسي بطلاً لكلِّ شخصٍ في هذا العالم، وأروي كل القصص بنهاياتها السعيدة، وأكون حكاية كلّ مهجةٍ ولسان. أودُّ لو أكون مرغوباً طوال الدهر كقُبلةٍ، كلما التمسوا مني المزيد، أعطيهم مزيدا…
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي