قراءتي المتواضعة في كتاب الامير الصغير
للكاتب الفرنسي Antoine de Saint Exupéry
طلب الناشر من الكاتب أن يكتب كتابًا للأطفال فيكون هدية عيد الميلاد في العام ١٩٤٣.
كان يتواجد في مقهى فرسم على شرشف الطاولة فكان الرسم الأوّل للأمير الصغير
أما الوحي للرواية فأتى من زوجته ابنة السلفادور Consuelo
الفنانة المرهفة الإحساس والتي أحبها وتزوّجها بعد لقائه بها عن طريق صديق
كانت زوجته في فرنسا وكان الكاتب في الولايات المتحدة حيث يعمل لتشجيع الأميركيين على الخوض في الحرب العالمية الثانية لمساعدة فرنسا ضد المانيا النازيّة.
وهو في الولايات المتحدة عانى من ابتعاده عن زوجته وشعر بالوحدة والكآبة، كان يقضي معظم وقته في غرفته بالرغم من وجود صديقين له. شعوره بالألم والوحدة جعله يكتب ما ألهمته به زوجته وهو في منفاه.
كتب عن فلسفة الوجود وعن المفاهيم الإنسانية التي اعتبرها من البديهيّات في الحياة عبر كتابٍ يُعدّ من أدب الاطفال.
نُشرت الرواية في الولايات المتحدة في ٦/٤/١٩٤٣ عن دار Reynald
حين نقرأ الكتاب في عمرٍ صغير، نحاول أن نفهم الاشخاص عبر الرموز ولكن حين ننضج لا بدّ من ان ننظر الى القيم والمبادئ والتي أراد الكاتب ايصالها الينا عبر شخوص الرواية.
رمزت الوردة الى زوجته والتي كان يحبّها لكنها كانت متكبرة احيانا وابتعاده عنها جعله يحبها اكثر ويعرف قيمتها لديه وشوقه اليها، هي الجميلة المليئة بالأشواك أي بالأخطاء رغم جمال شكلها. اما الثعبان فرمزَ الى الموت والذي يأتينا فجأة، يختبىء فينقضّ علينا حين يشاء.
في الرواية نجد الكواكب الستة وهي ترمز الينا نحن البشر.
نجد الملك دون رعيته، يحكم على نفسه فقط. نجد المتعجرف والذي يعتقد انّ الكون يدور حوله، ولا ينفع معه الا الثّناء. نجد السكّير والذي يشرب لينسى عاره ألا وهو الشرب. نجد رجل الاعمال والذي لا يهمّه سوى المال وأن تتزايد ثروته ثانية بعد الأخرى، و يومًا بعد يوم، وهو لا يملك النجوم، بل يعتقد إنّها له، وهو هنا يرمز الى الأشخاص الذين يعتقدون انّهم يملكون المعرفة والثراء والكون والنجوم نفسها. نجد البسيط القيّم على المصباح والذي يتّبع الأوامر وينفذّها دون ادنى تفكير، فيقوم بواجبه بضمير ولكن دون نباغة وووعي، يعمل مع طلوع الشمس وحتى غيابها. نجد كوكب العالِم الجغرافي والذي يعمل بمقاييس محدّدة ولديه براهين وهو من دلّ الأمير الصغير على كوكب الارض ونصحه بزيارتها، وحيث التقى بالثعلب الذي فسّر له كيفية الحياة على الارض وعبثيّة الاشياء حيث لا نستعبد الا ذواتنا .
نجد الثعبان الذي يرمز الى الموت والذي يودّعه بكلماتٍ مرهفة الاحساس.
يحاول الامير العودة الى كوكبه لكنّ جسده الثقيل يمنعه من الحراك.
ترك الكاتب كل الاحتمالات مفتوحة، لم نعلم إنْ عاد لزهرته التي خاف عليها من أن يأكلها الخروف الذي رسمه. ولم نعلم أن لسعهُ الثعبان فمات. لم نعلم نهاية الرواية إن كانت فرحة أم حزينة. ترك لنا الكاتب مجالا للخيال لننظر إلى الامير بقلوبنا والى القيم الانسانية بأخلاقنا وإلى الصداقة بقلوب نقية وإلى الحب بمشاعر صادقة وإلى الموت بحتمية نهاية الحياة والى الحياة بحلوها ومرّها وبوروردها وأشواكها، وبالمرأة بجمالها وفتونها وبتكبّرها وتواضعها.
نظرة فلسفية عميقة للحياة والكون وما يُحيط بنا من بشر وحجر وكواكب ومجرّات.
انظروا إلى الرواية بعين طفل ترونها بسيطة وبعين الكبار ترونها معقّدة، وبالغة الفلسفة والنقد والقيم الانسانية التي لا نجدها حُكماً في كل البشر، بل في قلّة منهم، لانّ الكمال لله وفي فكر الكاتب.
مات الكاتب في العام ١٩٤٤ ولم يعرف مدى نجاح روايته والتي نشرتها دار Gallimard بعد وفاته في العام ١٩٤٦. اصبح الكتاب من الروايات المهمة وتحظى على المرتبة الثانية في المبيع عالميًا بعد الكتاب المقدّس، بيع في فرنسا ١٥ مليون كتابا، وفي العالم ٢٠٠ مليون. ترجمت الرواية الى اكثر من ٤٥٠ لغة
والنسخة الاخيرة هي الرقم ٥٨٧٩ Editions اما الربح فتجني الرواية وما يحيط بها من منتجات لمؤسسة الامير الصغير التابعة للورثة ب ٢٠٠ مليون يورو سنويّاً. ( حسب ما قاله Thomas Rivière)
وللمرة الأولى عُرضت في فرنسا مخطوطات الأمير الصغير بخطّ يده، والتي اُحضِرت خصيصا من الولايات المتحدة والتي تحتوي ايضا على رسوماتها الاصلية.
لا أنظرُ أنا، للرواية برمزية شخوصها بل بالمغزى والمعاني التي أرساها عبر نظرته للقيم الانسانية وفلسفة الوجود، نظرت اليها بقلبي لا بحروفها بل بحروف حبي للأمير الصغير ولا للطفلة رنا، التي قرأته مرات ومرات لأنّ جوهر الاشياء لا نراه الا بقلوبنا.
من منا لم يعشق الأمير الصغير ؟
إلا يملك البشر جميعهم من صفات البساطة ؟ لا، لأنّ البشر لا يملكون كلهم البراءة، بل الشرّ بأغلبيتهم والبراءة هي حكر على الصغار.
فهمتُ الرواية بمعاني الحياة وبالقيم منها الحب والصداقة والمحافظة على البيئة واهمال الماديات والابتعاد عن المظاهر والتخلص من الكبرياء وبقاء القلوب النقية حتى وإن كبرنا، والثورة على العادات والتقاليد البالية، والاهتمام بمن نحب والتضحية من اجلهم،والوطنية وحب الانسان والخير …
لم يرَ الكاتب ما حصد عمله من نجاحٍ، عاش متواضعا ومات كذلك، ككل العظماء في التاريخ، لا يملكون سوى الفكر والخيال.
رنا سمير علم
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي