فضول
إحدى هواياتي قراءة أوراق النعي. حتى لو كنت مستعجلاً أقف، و أقرأ اسم الميت، عمره وأقاربه، وأتمنى لو كُتِب سبب الوفاة لأشبع فضولي في معرفة حاله قبل مغادرته الحياة.
هذا الصباح كنت أحلق بمزاج رائق، فإذ بورقة نعي تصعقني.
لم أصدق!. إنه أنا بشحمي ولحمي أصبحت في عداد الأموات.
ـ ” العمى! متى حصل هذا؟”.
سألت نفسي وهرعت إلى بيتنا لأتبين الحقيقة.
بقوة قرعت الجرس، ففتحت أختي الباب.
نظرت إلي ممتعضة وقالت بانزعاج:
ـ خير “ان شاء الله”. لماذا عدت؟.
فقلت:
ـ في طريقي قرأت نعوتي على الحيطان. لا بد أن هناك خطأ ما.
ـ عادي. لقد توفيت من سنتين.
كنت مذهولاً فأجبتها بارتباك:
ـ جئت لأعرف من اهتم لفقداني.
فضحكت وقالت باستهزاء:
ـ تريد أن تعرف قيمتك لدى الأقارب والأصحاب؟. هه.
كل مَن يموت تُذرف مِن أجله الدموع، ثم تجف بعد فترة لتذرف مجدداً على آخر أولى بالحزن. هه.
احمد ربك أنك توفيت بلا ألم ودفنت سالم الجسم.
جارنا أبو عقبة مات ألف مرة قبل أن يتوفى فعلاً، ويدفن بلا ساقين.
فانبريت أسأل بدهشة:
ـ كيف حدث موتي؟. أنا لا أذكر أبداً.
فتأففت قائلة:
ـ “اوووه”. قصة موتك طويلة وأنا مشغولة الآن. في الحارة والضيعة مات كثيرون بعدك. عد في يوم آخر أروي لك كل شيء عن ظروف رحيلك ورحيلهم.
ـ أرجوك احكي لي الآن. الفضول يكاد يقتلني لأعرف.
ـ “هوهوهو علينا” والله العظيم لا أستطيع اليوم.
ـ أين أمي؟.
ـ ذهبت إلى السوق.
حرنتُ، وبدأتُ الدوران حولها.. لما اقتربتُ منها أكثر انزعجت صائحة:
ـ عن جد بدأت تزعجني. رح اعطيك هاتفي وافتح “الفيسبوك” تجد كل الراحلين والذكرى العشرين لآخرين إذا أحببت.
بلهفة أضأت شاشة هاتفها و قرأت الذكرى الثانية لوفاتي على صفحتها وقد كتبتها بحزن شديد
ولغة شفافة تميد بالوجع.
وفيما كانت تلمحني بضيق غريب، وتقطع التفاح، رميتُ الهاتف على المجلى وخرجتُ بصمت.
وفي اللحظة التي ارتفعت فيها قليلاً رأيت أمي تمشي بوهن صوب البيت.
أسرعت إليها. حييتها بصوت مرتفع فوقفت وبدأت تنظر بغرابة حولها. على الأغلب لم تسمعني، إذ كررتُ التحية فواصلتِ السير.
لكنني تمكنتُ من سماعها وهي تدعو بالرحمة لي.. وما كادت تتوسل الرب الفرج
حتى ولجتِ الباب، ولم أتمكن من رؤيتها رغم محاولتي ذلك.
بخيبة ابتعدت عنها متجهاً صوب الحديقة، لعلني أجد شخصاً ما أعرفه هناك يروي لي ما فاتني من ظروف موتي.
ما استغربته همس أمي الذي رافقني في الطريق، وكم غمرتني طمأنينة وغاب فضولي لأعرف كيف دهمني الموت. حيث كان صوتها يرف حولي كفراشة ليرحمني الرب و يهبني ملكوته السكينة والحب!.
ربى منصور
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي