فيلم إباحي
غالبا ما يُطلب مني بحكم عملي الموافقة على نشر بعض الأعمال في احدى المواقع الأدبية… رحت أواجه بشكل شبه يومي أشخاصا يطلقون على أنفسهم لقب فنان ومبدع، والمشكلة ليست في اللقب لأن الزمن يغربل من يبقى حتى ولو رُفض في حياته ومن يزول، المشكلة في الحرية العبثية التي قلدوا بها أنفسهم لا بل شرّعوها لهم دون غيرهم حرية التصرف والعري والإباحية… لإقناع أنفسهم أولا بالاختلاف وإقناع الآخرين ثانيا بدونيّة في التفكير، وعند مواجهتهم بحقيقة عدم احترام أنفسهم أولا وعدم تقدير الآخرين ثانيا، اتهمت بالتخلف، وبعدم فهم معنى الفن.
وهنا سأتحدث بما أوتي لي من الإيجاز عن الفن وفكرة التعري والتمرد…
قليلا من التواضع أمام مبدع هذا الكون أول فنان خالق الطبيعة والجمال ملهمك الأول: وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِى ٱلْأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَٰنُهُ )
نشأت فكرة العري منذ الأزل ومن أقدم العصور بالرسم على جدران الكهوف… ثم المعابد والكنائس … وحين تجرأ الفن على المحظور وتمرد حتى على نفسه ليظهر معنى الجمال الحقيقي بتفاصيل الجسد الرخامي بأدق تفاصيله، كذلك فعل الشعراء والأدباء فقد رسموا بالكلام أكثر الصور العارية بطرق مواربة تحت غطاء الفن، وهنا أُذَكّر بأن شهرة هؤلاء تحققت لأنهم عرفوا الجمال الحقيقي وأدركوا أن هذا الجمال غير عصي بالوصف عن التخليد،
فالسؤال الذي يطرح نفسه إلى أي مدى تختلف هذه الأعمال عن فيلم إباحي عالي الجودة، هل ندرج المخرج والممثل الذي قام به تحت قائمة الفن والإبداع؟
وهنا أركز وبشدة على أن البعض لا يبتعد كثيرا في رسمه ونصه وما يدعيه شعرا عن الفيلم الإباحي لابل تختلط عليهم الأمور بين الفن والإباحية.
الفن هو الروحيّة، الفن هو الذي يُخلّد القبلة لا يتيحها، يقدس الجسد لا يثير الغرائز، يجعلك ترى من الحب معنى الرحمة والمودة والتفاني في إظهار من نحب ونحترم لا الابتذال والرخص، الفن يعلمك كيف تقدس عينا وقعت في قلبك لا في نفسك، وهناك فرق كبير بين شفاه تشتهيها وشفاه تتبناها، بين جسد تفترشه وجسد تتحد به لتتطهر معه وتمجّد خالقه،
الفنان متصوف يتعبّد بشعره يتعبّد بنثره يتعبّد برسمه ليصل للحقيقة والجمال، فالبحث اليومي عن الحقيقة هاجسه ..
فالجمال عنده ليس الصفة المادية للأشياء، بل المعنى الروحي، الفن تصوير أي معطى في الطبيعة وإخراجه على شكل أحاسيس
فان كوخ حين رسم حذاءه ؟؟ محملا ذاك الحذاء ألف رسالة اجتماعية وسياسية … بعبقرية ريشته،
مايكل أنجلو حين ضرب تمثال موسى العاري وقال له عند انتهائه: تكلم.
حين يتدخل العقل والتفكير بإيجاد ما يلفت نظر المشاهد فهو خارج عن الفن وضد الفن، لأن الفن منبعه الحدس الرؤيا الإحساس والروح، الفن يقودك إلى مكان مجهول وغامض، لصدفة تعثر بها حتى على نفسك، والفنان هو من يلتقط تلك الصُدفة ويوظفها بأبهى حِلّة .. وهذا ما يفرق الاحتراف عن الهواية
الفنان ليس تاجرا وإلا كان أكبر فنان تفوقه فنيا أقدم مطبعة
الفنان لديه مشكلة مع الوجود منذ الأزل وهو يطمح دائما للكمال، ولكن يجب أن يكون الانسان أولا أصيلا مع نفسه ليبدع أصالة
ولو تمعنا النظر اليوم ببعض المدارس الفنية كالمدرسة الوحشيّة التي ترتكز على شدة لونيّة بطبقة واحدة من اللون بلا ظل ولا نور بلا قيم لونية، تعرف الفرق بين تماما بين الفن والإباحية
فاللون بلا شكل، لا هويّة .. يكتسب هويته من الشكل أو الشيء الذي لبسه أو اكتسبه كروح الانسان اللون وظل اللون والنور والظلمة .. ألوان تصرخ برسائل ..
من هنا نعرف أن الفن ليس ترفا، وأن الفن موجود في كل تفصيل من تفاصيل الحياة، وهو ليس تزيينا أو تصويرا جافا للواقع الفن ليس قوالبا جاهزة للطبيعة بل مسؤولية تأريخ وتقرير الفن مناهض للضغوط، الفن انتشال من العزلة التي لا تصغي فيها إلا لصوت الذات
وبعيدا عن تعريف وتصنيف هيغيلية الجمال كحكم عقلاني أم حكم للذائقة، يبقى الهدف مما سبق هو رسالة الفن، فمن أراد اعتناق الفن في هذا العصر، عليه أن يعرف أن الفنان أبعد من غليون وقبعة _تماهيا بالمثل الانكليزي القديم الذي يقول : إذا أردت أن تترأس فعليك أن تعتمر القبعة أولا…
تترأس من بشعرك المشعوث وافلاتك من الحياء، بحجة المزاجية .. تحت غطاء نرجسي قاتل … فالفن أبعد وأعمق من رداء فنان تتمثل به .. تتجاوزه … تتجاوز عبقريته … تمثل أعماله .. لا شكله الخارجي..
قليلا من التواضع في حضرة الإبداع فالإباحية والغرائزية في الفن لا يبررها الوزن والنظم الفاشل والألوان الفاشلة فأنت لا تشرع الفن أنت تقتله أنت لا تقدس الجمال أنت تجعله رخيصا سطحيا ..
قليلا من الجمال والرقي، كثيرا من السمو والرفعة في حضرة الإبداع.
يقين حمد جَنّود
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي