قراءة تحليلية في قصيدة “نزار قباني “
“طريق واحد “
أريدُ بندقيّه..
خاتمُ أمّي بعتهُ
من أجلِ بندقيه
محفظتي رهنتُها
من أجلِ بندقيه..
اللغةُ التي بها درسنا
الكتبُ التي بها قرأنا..
قصائدُ الشعرِ التي حفظنا
ليست تساوي درهماً..
أمامَ بندقيه..
أصبحَ عندي الآنَ بندقيه..
إلى فلسطينَ خذوني معكم
إلى ربىً حزينةٍ كوجهِ مجدليّه
إلى القبابِ الخضرِ.. والحجارةِ النبيّه
عشرونَ عاماً.. وأنا
أبحثُ عن أرضٍ وعن هويّه
أبحثُ عن بيتي الذي هناك
عن وطني المحاطِ بالأسلاك
أبحثُ عن طفولتي..
وعن رفاقِ حارتي..
عن كتبي.. عن صوري..
عن كلِّ ركنٍ دافئٍ.. وكلِّ مزهريّه..
أصبحَ عندي الآنَ بندقيّه
إلى فلسطينَ خذوني معكم
يا أيّها الرجال..
أريدُ أن أعيشَ أو أموتَ كالرجال
أريدُ.. أن أنبتَ في ترابها
زيتونةً، أو حقلَ برتقال..
أو زهرةً شذيّه
قولوا.. لمن يسألُ عن قضيّتي
بارودتي.. صارت هي القضيّه..
أصبحَ عندي الآنَ بندقيّه..
أصبحتُ في قائمةِ الثوّار
أفترشُ الأشواكَ والغبار
وألبسُ المنيّه..
مشيئةُ الأقدارِ لا تردُّني
أنا الذي أغيّرُ الأقدار
يا أيّها الثوار..
في القدسِ، في الخليلِ،
في بيسانَ، في الأغوار..
في بيتِ لحمٍ، حيثُ كنتم أيّها الأحرار
تقدموا..
تقدموا..
فقصةُ السلام مسرحيّه..
والعدلُ مسرحيّه..
إلى فلسطينَ طريقٌ واحدٌ
يمرُّ من فوهةِ بندقيّه..
أول ما يطالعنا في القصيدة كلمة ( بندقية ) فهي الحاضر الأقوى بين مفرداتها . و تردّدت أكثر من ثماني مرات .
و في هذا التردّد إعلان عن سقوط كل الحلول السلمية التي أرادوها للقضية الفلسطينية ، و رفض قاطع لها ، و البندقية بما ترمز اليه من قوة ، هي الحلّ الوحيد الباقي أمام العرب و الفلسطيني لاسترداد الأرض و الكرامة .
و يأتي الفعل الناسخ ( أصبح) في الدرجة الثانية بعد كلمة ( بندقية ) . و إذا ما أفاد هذا الفعل الدخول في الصباح عكس شقيقه ( أمسى ) الذي يفيد الدخول في المساء ؛ فإنه يحمل بعدًا تفاؤليًا تبشيريًا يوحي بما يوحي به الصباح .
كما و نلاحظ أنّ الشاعر يقيم منافسة بين كلمتي ( بندقية ) و ( قضية ) و هذه المنافسة الكميّة بين الكلمتين سرعان ما تتجلّى لصالح الثانية أي ( القضية ) . و كيف لا و القضية هدف كبير و البندقية وسيلة ، و لا بدّ أن يتعالى الهدف على الاداة .
و اذا انتقلنا الى كلماتٍ أخرى لها بعدًا مكانيًا مرتبط بالأرض و الهويّة ( القدس ، الجليل ، بيسان ، الأغوار ، بيت لحم ) . فهذه الاماكن لا تمثّل أماكن عادية يمكن استبدالها بغيرها ، لكنها أماكن رمزيّة تمثّل القدس و الخليل و بيت لحم و ترتبط بالوجدان العربي الاسلامي و المسيحي.
و اذا عدنا الى الافعال فحضورها قوي يدلّ على التمسّك بالمكان و الأرض و العلاقة الجدلية بين الأرض ( الهوية ) و الإنسان . تلك العلاقة القائمة بين المبعد و شعبه ، و بين المتشرد و وطنه .
يقول نزار :
- أريد أن أنبت في ترابها .. زيتونة أو حقل برتقال .
لينتقل بهويّة الفلسطيني المشرد و المبعد عن وطنه في كونه إنسانًا عاديًا ليصبح كائنًا أسطوريًّا.
فتعدية الفعل ( أنبت ) الى الذّات لا يعطيها هوية نباتية خضراء قابلة لإنبعاثها السنوي فحسب ، و لكنها تذكرنا بأسطورة أدونيس الذي توزّع جسده في النبات و الزهر و الشجر . و في ذلك إضاءة الى البعد الاستشهادي الذي يحفزّ الفلسطيني من أجل القضية المحورية .
لا شك أنّ كل المعاني و الرموز و الإيحاءات استطاعت بحضورها أن تقول ما لم يقل . فقد كان نصّ الشاعر يختزن رسائل قوية و لاذعة تتتضمن التمرّد على الواقع المهين و المذلّ ، و رفض كل أنواع الخنوع و الإستسلام .
و يبقى السؤال الدائم
هل سنرى السلام لأرضٍ لم ترّ السلام يومًا ؟
و هل ستكون خشبة الخلاص شاهدًا على قيامتنا ؟
اليس الصبح بقريب ؟تحليلية في قصيدة نزار قباني
” طريق واحد ” .
أول ما يطالعنا في القصيدة كلمة ( بندقية ) فهي الحاضر الأقوى بين مفرداتها . و تردّدت أكثر من ثماني مرات .
و في هذا التردّد إعلان عن سقوط كل الحلول السلمية التي أرادوها للقضية الفلسطينية ، و رفض قاطع لها ، و البندقية بما ترمز اليه من قوة ، هي الحلّ الوحيد الباقي أمام العرب و الفلسطيني لاسترداد الأرض و الكرامة .
و يأتي الفعل الناسخ ( أصبح) في الدرجة الثانية بعد كلمة ( بندقية ) . و إذا ما أفاد هذا الفعل الدخول في الصباح عكس شقيقه ( أمسى ) الذي يفيد الدخول في المساء ؛ فإنه يحمل بعدًا تفاؤليًا تبشيريًا يوحي بما يوحي به الصباح .
كما و نلاحظ أنّ الشاعر يقيم منافسة بين كلمتي ( بندقية ) و ( قضية ) و هذه المنافسة الكميّة بين الكلمتين سرعان ما تتجلّى لصالح الثانية أي ( القضية ) . و كيف لا و القضية هدف كبير و البندقية وسيلة ، و لا بدّ أن يتعالى الهدف على الاداة .
و اذا انتقلنا الى كلماتٍ أخرى لها بعدًا مكانيًا مرتبط بالأرض و الهويّة ( القدس ، الجليل ، بيسان ، الأغوار ، بيت لحم ) . فهذه الاماكن لا تمثّل أماكن عادية يمكن استبدالها بغيرها ، لكنها أماكن رمزيّة تمثّل القدس و الخليل و بيت لحم و ترتبط بالوجدان العربي الاسلامي و المسيحي.
و اذا عدنا الى الافعال فحضورها قوي يدل على التمسك بالمكان و الأرض و العلاقة الجدلية بين الأرض ( الهوية ) و الإنسان . تلك العلاقة القائمة بين المبعد و شعبه ، و بين المتشرد و وطنه .
يقول نزار : - أريد أن أنبت في ترابها .. زيتونة أو حقل برتقال .
لينتقل بهويّة الفلسطيني المشرد و المبعد عن وطنه في كونه إنسانًا عاديًا ليصبح كائنًا أسطوريًّا.
فتعدية الفعل ( أنبت ) الى الذّات لا يعطيها هوية نباتية خضراء قابلة لإنبعاثها السنوي فحسب ، و لكنها تذكرنا بأسطورة أدونيس الذي توزّع جسده في النبات و الزهر و الشجر . و في ذلك إضاءة الى البعد الاستشهادي الذي يحفزّ الفلسطيني من أجل القضية المحورية .
لا شك أنّ كل المعاني و الرموز و الإيحاءات استطاعت بحضورها أن تقول ما لم يقل . فقد كان نصّ الشاعر يختزن رسائل قوية و لاذعة تتتضمن التمرّد على الواقع المهين و المذلّ ، و رفض كل أنواع الخنوع و الإستسلام .
و يبقى السؤال الدائم
هل سنرى السلام لأرضٍ لم ترّ السلام يومًا ؟
و هل ستكون خشبة الخلاص شاهدًا على قيامتنا ؟
اليس الصبح بقريب ؟
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي