لمى سخنيني
صاحبة امتياز
“العائدون للنشر والتوزيع”
تخصّصتْ بالفيزياء ونالت درجة البكالوريوس في الفيزياء.
حصلتْ على درجة الدكتوراه في الفيزياء من جامعة شمال ويلز في المملكة المتحدة في العام 1994.
عملتْ أستاذة جامعية في (جامعة البحرين) لمدة 20 عامًا حتى تقاعدها.
نشرت ما يزيد عن 30 بحثا علميًّا محكَّمًا في مجلات علمية مرموقة.
ومن هنا كان لمجلة أزهار الحرف معها هذا الحوار
حاورتها جميلة بندر.
——————
1
.كيف بدأت رحلتك في عالم الفيزياء وكتابة الأدب؟ وما الذي دفعك لمزج بين العلم والأدب في أعمالك؟
في طفولتي ومراهقتي، التي كانت في بيروت ما قبل الحرب الأهلية اللبنانية وخلالها، كنت دائمة القراءة والرسم، كنت ماهرة في سرد الحكايات، ولكني عندما وصلت للمراحل الثانوية في المدرسة أبدعت في الرياضيات والفيزياء، فتوارى ما في القلب من حكاية، ووجدت نفسي ما بين أجنحة كلية العلوم ومختبراتها العلمية، وتدرجت إلى أن وصلت إلى درجات علمية عالية كأستاذة في الفيزياء الطبية، بين الجامعة والمستشفيات، ولكن وبالرغم من كل تلك النجاحات التي قليلًا ما وصلتها امرأة عربية، كنت أشعر بالغربة، فكنت دائمة البحث عن منزل يؤوي تلك الروح الهائمة، بدأت بالاقتراب من الصوفية، وخاصة مولانا جلال الدين الرومي، وجدت نفسي مأوى بين تلك النصوص وكأنني قد خبرتها منذ بدء الخليقة، رجعت إلى الابداع الفني والأدبي، وتدريجيًا وجدت ما كنت أبحث عنه، وتركت التدريس والبحث العلمي، وأنشأت دارًا للنشر مشجعة مبدعين آخرين، لترى أعمالهم أعين القراء. فلا أرى لحياتي منحى آخر غير ذلك الذي سلكته، وإن لم أكن فيزيائية كاتبة وفنانة مبدعة لاخترت أن أكون كذلك، فذلك التدرج والتنوع هو ما أغنى نفسي وأوصلها إلى هذه الدرجة من الإبداع.
2.ما هي الدروس التي تعلمتها من خلال تجربتك كأستاذة جامعية في جامعة البحرين؟ وكيف يمكن للعلم أن يلهمك في كتابة القصص والروايات؟
مهنة صناعة الرواية شبيهة جدا بمهنة الحائك الفنان، صانع الدمى، في لحظة خلق قطعة فنية من النسيج والخيوط والأوتار. ومن ثم يقف على خشبة المسرح يحرك تلك الدمى: ذلك الفنان الذي يسحب خيوط الدمية المتحركة، وينسق كل حركة بشد الخيط تارة وبإرخائه تارة أخرى. قد يكون أحد الأوتار شخصية، وحبكة أخرى، وإطارًا ثالثًا، وصراعًا رابعًا، ثم حوار، ولغة مجازية، وإيقاع، ووجهة نظر، وأنغام وايقاعات مدروسة متناسبة مع الحركات المدروسة أو العفوية المرتجلة. عندما أضع نفسي في مركز هذه السيناريو– بصفتي الروائية قد أفقد السيطرة على شخصياتي، وقد تتحداني، وقد تتشابك الأوتار، وأفقد القدرة على السرد المنطقي، وفي الوقت ذاته لا أستطيع أن أترك شخصياتي تروي الحكاية بعيدًا عن خيالي المضطرب.
كأستاذة للفيزياء، رأيت طلابي يواجهون هذه الصعوبة يوميًا. نجاحاتهم الصغيرة قد تتعثر وتختفي تحت خيبات الأمل. خاصة الإناث منهم. فعدم تنظيم الوقت والأفعال، تضيع معها فرص كل نجاح محتمل.
وكي لا تتشابك الخطوط بدأت بالسرد بأسلوب واضح، أو بالأحرى، محاولة فهم العناصر الحِرْفية التي تشتمل عليها الرواية، كوسيلة للتركيز على معالجة أقل عدد من عناصر القصة للحصول على أفضل النتائج. فهنا الفيزياء، وتحديدًا النظرية النسبية لألبرت أينشتاين، تلعب دورًا في غاية الأهمية في أسلوب السرد.
تقترح النظرية النسبية أن الخصائص القابلة للقياس للزمان والمكان ليست في الواقع ثابتة كما يتصورها الإنسان الأرضي. في الكون، ينثني الزمان والمكان، ويتوسعان أو يتقلصان بالنسبة للأجسام المتحركة. بدأت أرى أوجه تشابه بين الزمان والمكان في الكون المادي وبين الزمان والمكان في الكون الخيالي. ماذا لو كان الزمان والمكان هما الخاصيتان الوحيدتان اللتان يسعى الكاتب للسيطرة عليهما؟ هل سيصبح عالَم السرد أقل إرهاقًا في مجمله؟
كيف أستفيد من هذا في صناعة الرواية خاصتي؟ أولاً، أضع الاختيارات الحرفية في منظورها الصحيح. وقد أتلاعب بالوقت، بالنظام، والزمن، والتكرار. قد أختار عرض الأحداث خارج التسلسل الزمني؛ تشمل المصطلحات المرتبطة الفلاش باك والرؤية نحو الأمام. قد اتبعت هذا الأسلوب في المجموعة القصصية “تنويعات على وتر منفرد” ورواية “دير اللوز”، أو بترتيب عكسي، كما اتبعت في رواية “زائر الأبدية المنسي” ورواية “هكذا صرت ملاكًا”.
3.ما هي المواضيع التي تهتمين بتناولها في أعمالك الأدبية؟ وكيف توازنين بين عملك في مجال الفيزياء وكتابتك؟
أسرد حكايات شعبي، شعب فلسطين، المتخيل والواقعي.
4.ما هي الجوائز التي تعتبرينها أهم إنجازاتك في مسيرتك المهنية؟
جائزة المرأة العربية ودورها في التنمية المستدامة (2019)، فهذه الجائزة تم منحها لي لتتوج نجاحاتي البحثية والعلمية.
5.كيف يمكن للتصوير الفوتوغرافي أن يؤثر على كتاباتك؟
التصوير الفوتوغرافي، هو مراقبة ورسم حكاية من انعكاسات الضوء تمامًا مثل سرد الحكاية، لكن هنا أراقب مشاعر وتحركات الناس التي تنعكس إلى عقلي.
6.ما هي الروايات أو القصص التي أثرت فيك وشكلت أسلوبك الأدبي؟
كثيرة هي الروايات، ولا أستطيع أن أقول بأن هناك روايات محددة اتبعت أسلوبها، غير أن هناك كتّابًا يمسون قلبي بنعومة وعقلي بقوة، مثل توفيق الحكيم ومكسيم غوركي وغسان كنفاني.
7.ما هو دور دار العائدون للنشر والتوزيع في دعم الأدب والثقافة؟
أنا نشأت في بيئة ثقافية رفيعة المستوى. فأنا ابنة المؤرخ والأكاديمي الأستاذ الدكتور عصام سخنيني والصحافية نعمت سخنيني. دار النشر هي حلم والدي وحلمي الذي تحقق.. بعد تقاعدي المبكر من تدريس الفيزياء اتجهت إلى ما يهواه قلبي فقد كانت إجابتي الدائمة عن هذا السؤال الفيزياء مهنتي والأدب هويتي وشغفي، والآن وبشراكة مع الكاتب والشاعر عمر شبانة أصبح لحلمنا واقع يتحدى، فكانت دار العائدون امتدادا لشغفي، فما كان في البداية هواية أصبح الآن مهنتي.
وما الذي جعلك تقررين تأسيس هذا الدار؟
أن الهدف من تأسيس دار للنشر هو أن تكون هناك دار نشر عربية، متخصصة أولا بتاريخ فلسطين؛ القديم والحديث، وبكل ما يتعلق بهذا التاريخ من إشكاليات وأسئلة تفيض على الواقع الراهن. كما تهتم بنشر الكتاب العربي والعالمي المترجم أيضا. فهي إذن صاحبة مشروع فكري ثقافي عربي بأبعاد إنسانية.
بالإضافة إلى نشر الإبداع والفكر العربي والعالمي، شرط أن يتوفر لها المستوى الرفيع أولا. وهي تستقبل إبداعات المبدعين العرب في المجالات كافة، لتقدم للقارئ العربي أفضل منجزات هؤلاء المبدعين.
وما هي النصيحة التي تودين مشاركتها مع القرّاء الطموحين والكُتّاب المبتدئين؟
نصيحتي أن تقرأ وتقرأ وتقرأ قبل أن تكتب، وتتعلم القواعد الصحيحة للغة، فلا أكثر استفزازًا للقارئ من جملة ركيكة، أو أخطاء إملائية لا تغتفر. ومن ثم اكتب بشجاعة بما يمليه عليك قلبك. راقب واستمع للناس من حولك، فالكاتب الجيد يعكس هموم وقصص شعبه والإنسانية عمومًا.
8.كيف تختارين الكتب التي تقومون بترجمتها إلى العربية أو الإنجليزية، وما هي التحديات التي واجهتك في عملية الترجمة بين اللغات المختلفة؟ وكيف تتعاملين معها؟
بدأت بترجمة النصوص الصوفية من الإنجليزية إلى العربية لمولانا جلال الدين الرومي، ثم أردت معرفة المزيد فتبحرت في نصوصه وترجمت أبحاثًا كتبت عنه وعن متصوفين آخرين، ثم ترجمت للشاعر والصوفي محمود الشبستري، كما ترجمت نصوصًا للفائزة بجائزة نوبل للآداب لويز غليك، فقد مس قلبي شعرها واعتبرتها نموذجًا للمرأة العاملة الشاعرة، فتجربتها قريبة من تجربة نساء عديدات خُضنَ في العمل الأكاديمي والأمومة والشعر. وبكل تأكيد ولأني ابنة الأستاذ الدكتور عصام سخنيني وأنا التي عاصرت حياته وخبرت كتاباته، فلي معرفة في تاريخ فلسطين، فترجمت كتبًا في تاريخ فلسطين القديم والمعاصر.
9.ما هي الخطوة التالية في مسيرتك الأدبية والعلمية؟ وما هي الأهداف التي تطمحين لتحقيقها؟
أنا قد تقاعدت من العمل الجامعي والآن قد تفرغت للأدب والفن ولإدارة دار النشر. أطمح بأن يكون للدار مكانًا مرموقًا بين الدور العالمية.
10.ما هي البحوث العلمية التي تفخرين بها وتعتبرينها إسهامات مهمة في مجال الفيزياء؟
تتمحور أبحاثي حول آثار المجالات الكهرومغناطيسية (الأشعة غير المؤيّنة) على نموّ وتطوّر الكائنات الحيّة، وعلى قدراتها للتعلم والحركة. أفتخر بأني قد تركت بصمة واضحة في تاريخ البحث العلمي في هذا المجال، فأبحاثي بشكل عام تعتبر مرجع مهم للباحثين في هذا المجال.
11.,ما رأيك بالملتقيات الشعرية وخصوصاً ملتقى الشعراء العرب الذي يرأسه الشاعر ناصر رمضان عبد الحميد؟
منصات التواصل الاجتماعي على العموم تنشر الكثير من التفاهة والتشجيع على عادات اجتماعية سيئة بعيدة عن مجتمعاتنا، لذلك هذه الملتقيات الثقافية جاءت كنسمة ربيع في صحراء جافة وموحشة. وهنا أخص بالذكر ملتقى الشعراء العرب الذي يرأسه الشاعر العربي المصري ناصر رمضان عبد الحميد، فهو حريص على كل ما هو جيد ويرتقي بالشعر وبالأدب عمومًا إلى مستويات مرموقة، كما أن نشاطه واختياراته وحرصه على دعوة المثقفين للمشاركة في الملتقى مثير للاعجاب والتقدير، فهو الصديق الذي يحث أصدقائه على كتابة الأفضل والأجمل، لذلك وجب الشكر له هنا لما قدمه للثقافة العربية إن كان شعرًا أو في ادارة الملتقى. وإلى تعاون آخر أجمل وأرقى.
حاورتها من لبنان جميلة بندر
عضو بملتقى الشعراء العرب
محررة بمجلة أزهار الحرف.
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي