قراءة تحليلية نقدية في رواية ( زمن التعب المزمن ) لمؤلفها : ياسين الغماري ..
بقلم الدكتور طالب هاشم بدن / العراق ..
زمن لا يرحم ..
الفكرة العامة …
تجلت رواية المؤلف الغماري والمنشورة عن دار الدراويش للنشر والترجمة / المانيا 2023 عن فكرة بوهيمية احداثها تدور في اروقة ( بنك) ومثل تلك الروايات يحتاج فيها الى دراية ودراسة معمقة لعوالم غير الادب والفنون التي تتناول موضوعات في ارضيات اكثر دقة وحرص في استخدامها للغة الحسابيات والارقام وهي بذلك جاءت مختلفة في تفاصيلها واستنطاقها للامكنة وحركة الشخصيات وحواراتها السردية التي طالما أخذت جوانب السرد المتكئ على شخصية البطل في الرواية وهو المؤلف الذي شرح معاناته ومكابداته فيما دار وحاول تسليط الاضواء على نقطة غير محددة المعالم وتكاد تكون خفية على القارئ العليم بوصفه لم يخوض غمار تجربة الابحار في عالم المصارف وما تشكله من أهمية ، إذ كانت التفاتة مهمة لمؤلفنا الشاب الغماري وهو يستنطق حياة جديدة بعيدة كل البعد عن الحياة العادية التي طالما تناول كتابنا مجالاتها المتنوعة في الاداب والفنون والعلوم الانسانية المستدامة ..
اهمية السرد الروائي ومكانته..
في نظرة مبتسرة على زوايا رواية زمن التعب المزمن يرى المتلقي القارئ الواعي ان اهمية الرواية ومكانتها في المجتمع تكمن في تسليط جزء مهم من هيمنة الرأسمالية على مفاصل الحياة وغياب دور الدولة والانسانية بشكل عام على مجريات احداث البلد وتغييب دور الفقير وصاحب الشرف والشهادة ، الامر الذي خلق عبيدا بطرائق متنوعة فكان الرق والعبودية على هيئة استعباد او شراء رقيق وعبد بمبالغ مالية من شخص يتاجر بشكل علني بالبشر ومن كلا الجنسين قبل الاسلام ، إلا ان بعد ظهور الدين الاسلامي والانتقالة التي أحدثتها تعاليم القرآن الكريم على لسان نبي الرحمة محمد ( ص) احدثت انعطافة تأريخية حياتية بمصائر الشعوب .. غير ان العبودية أخذت منحى آخر وطرائق ملتوية ألا وهي عبودية البشر الذين على هيئة مدير ومسؤول يمتلك ناصية حكم او نفوذ او سلطة وبالتالي صار عدد غير قليل خاضعين بشكل او اخر وبدون ارادة الى أولاءك المتنفذين ما دعا الى ظهور طبقات مجتمعية متنوعة ..
الانتقال وتطور الاحداث ..
مما لا شك فيه ان في رواية ( زمن التعب المزمن) حوادث سردية جمة صاغها المؤلف على وفق رؤية مدروسة زمكانيا واختار شخوصها ومجرياتها بعناية ناهيك عن لغة الخوار التي تخللتها أسلوبية عالية في التعبير عن سير الاحداث فتارة نرى البطل يسعى الى الانتحار وتعذرت عليه الطريقة وتارة نجده يغالط نفسه من اجل عيش كريم غير انه قابع تحت سلطوية البارون وسلمان وغيرهم وتارة اخرى نجده يسعى الى اكمال دراسة الماجستير التي بقيت معلقة مع مصيره غير المعروف والتي شكلت هاجسا وعائقا امام مسيرته سواء بالحياة او بمساحة عمله في البنك الا ان تطور الحوادث ودخول شخصية هالة اضفت على لغة الحوار والحركة المشهدية اجواء مفعمة بالامل ..
الجوانب المهمة في الحبكة ..
ابحرت بنا لغة السرد وتطور الحبكة الى عوالم من الخذلان والصمود ، إذ كنا نتلقف الحوادث بأحباط والذي مثل في الرواية جانب الشر فيما يظهر بين تلك الظلمة نورا خافتا من بعيد بين ثنايا النص ، سرعان ما يرجعنا الى الامل ، فمنذ انطلاق بداية الرواية تأرجحت الشخصيات على اعتاب النص وبقيت تتهاوى نزولا وصعودا ، ناهيك عن حركة حبكة الصراع بين العالم الكبير وشخوص البنك المضطهدين وهذا ما عبرت عنه عبارات مثل ( هذا بنك لا يعنيه شيء سوى ادخال الاموال بأي وسيلة ) وهنا يجترنا التعبير الى ان لا شيء سوى المال اما الانسان وما يحمله فهو عدم وسائر الى هلاك وهو وصف دقيق للغة السلطة والقوة وكأننا نعيش بمجتمع غابة يهدف الى الغلبة للأقوى وغير ذلك لا يعنينا نحن اصحاب الرأسمال …
الاضافات وما تمثلها …
المتتبع لما في سطور الرواية يجد انها اخذت على عاتقها تنوع معرفي ودراسة جادة في عالم المال ولغة البنوك ، وما اضافة الامثال والحكم والمواعظ الا تدغيم وقوة للأسلوب الامثل الذي ذهب به مؤلفنا الشاب ، إذ ان اختيار عبارات رنانة ولغة عميقة ينم عن اطلاع واسع وخبرة في مجالات اخر ، فهناك عبارات تضمنتها الرواية مثل ( ويزيح عنها اكداس الفضيلة : لا يمكننا اخبارك عن مشاريعنا ، ولكن تيقن ضمنا من ان الربح كل ما يهمنا ) حتى وان كان على حساب الطبيعة وصحة الناس ..ففي مثل تلك المداخلات المهمة تضفض على تطور الحبكة الشيء الكبير ..
دور التطور التاريخي والموروث الشعبي ..
يبدو ان المؤلف جمع طاقة كبيرة من اجل الاجتهاد في بلورة رواية محافظة على نسق التوازن الفني والتناسق الكمي والحجم عبر زج عدد غير قليل من العبارات المقتبسة عن شخصيات وموروت شعبي وتزويق لفظي فنراه يطعم روايته في ( لو اخذ الله القوم الذين يوزعون مشاكلهم لعاش النصف الاخر بسلام ) وفي حديثه مع هالة وفشله باقناع حاشية البنك ومرؤوسيه ( أن اعرف موقعي من كل هذا ) غير انها بعد تعري هواجسها ترد قائلة ( ماذا تريد ان تصير بعد خسائرك ؟.. هذا البنك يدمر قناعاتي ) ..
وهو امر يكاد يطرق جادة الطريق ويعبر عن الخذلان بكل تفاصيله غير انه لا مفر من العبودية التي قبعت على من في البنك ..
فيما ذهب المؤلف الى استخدام الامثال الشعبية والموروث التونسي في التعبير عن حالات متعددة ومتنوعة تنسجم مع ما يمر به الشعب من ويلات وخذلان مثل ( حوت ياكل حوت ومكيل الجهد يموت ) ومثل اخر يقول ( القد قد الفولة والفعايل فعايل غولة ) .. ولربما هناك اوضاع لا يستطيع مؤلفنا تناولها بشكل علني غير ان السطور أوحت لها بشكل ماورائي ..
تطور الحدث ..
يستطرد مؤلف الرواية ببراعة في سرد الحوادث وما صاحبها من سطوة على شخوصه بتنوعها فمنها الخاضع الخانع القابل بالذل بأرادته ومنها من سكت من اجل الراتب ، ومن تلك الشخصيات الافعى مرام التي طالما عكرت اجواء البنك بجبروتها وتدخلاتها السافرة وكذا الحال لمسؤول البنك وبعض الشخصيات ، بالمقابل هناك شخصيات حاولت تخفيف احمال الحياة وضنك العيش عنه تجلت تلك الشخصيات بميرا وهالة الذين مثلا العنصر الايجابي وتخفيف الالم عنه على الرغم من ان سوق العبيد تغير ( كان هنالك سوق للعبيد ، اليوم يوجد بنك للعبيد ) وهو تعبير يراد منه وصف سطوة اصحاب النفوذ وسلب حرية الموجودين بالبنك على الرغم من ان هنالك امل بالخلاص غير ان سبل العيش صعبة وهو انتقاد واضح وصريح لأجراءات الحكومة وضعف الرقابة على مؤسسات مثل البنك..
العقدة وفراق البنك ..
سارت الرواية بتنوع حوادثها وسردها على مدى صفحات عدة بتصاعد وتيرة الحوادث وتأزم العقدة وتشظيها وصولا الى محاولات انتحار عدة خاض تجاربها بطلها غير انها باءت بالفشل وكان لفراق البنك صدمة وفراق هالة الصدمة الاشد وقعا على بطل الرواية بعد ان خذلت حبهما وذهبت الى التمسك بالراتب مفضلة البقاء على الذل والركون الى المال وهنا تجلت العقدة والازمة وازداد زمن التعب المزمن بلا هوادة عليه قائلا ( ربما لم يكن شيئا مهما بالنسبة لك، لكنه كان قلبي ) مستعيرا تلك الكلمات من وحي الشاعر الكبير محمود درويش لتنتهي رواية زمن لم يرحم بطله وبقي مكللا بمتاعب لا طائل لها …
في سماء الوحدة غناء /جنان الحسن
في سماء الوحدة غناء وحين يكون قلبي وحيدايَحلُم كثيرايريد أنّ يتنهد مثل رعّشة زهرة فاجأتها حبات النّدى صباح يومٍ ربيعيّ...
اقرأ المزيد
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي