قصة قصيرة جدا “خيمة”
للقاص محمد العلوي
قوامُها الهزيلُ لم يمنعها من الوقوف بهيبةٍ وشموخ. تحتَ غطائِها الأخضر دفءٌ سامي أثار حفيظةُ النيرانِ؛ قتلتها! ومنذُ ذلك تلاحقها وَصْمةُ الخطر.
***
“” انزياح المدلول وكثافة المعنى في قصة” خيمة “
مؤيد عليوي
من العنوان “خيمة” وهل في زماننا ثمة خيام.. بهذه الرمزية العالية للزمان الماضي المتصل بالبنية الجوانية للقصة من حدث أو موقف في لغة مكثفة حمّالة أوجه للدلالات المكتنزة في كلمات قليلة مع مفاجأة متلقي القصة القصيرة جدا بما هو غير متوقع أو الدهشة وهاهنا نقصد توافر الشروط الفنية في قصة “خيمة” العنوان الخالي من “ال” المعرفة فالكلمة نكرة وليست معرفة، والنكرة في اللغة العربية تعني مشاع أو شيوع أو أتساع المعنى لغير محدود، بمعنى ليس للكلمة حدّ تُعرف به، فالنكرة كلمة “خيمة” تعني الاتساع والشيوع لما يتصل بها ومكان الاتصال بكلمة “خيمة” العنوان هو نهاية القصة القصيرة جدا (ومنذُ ذلك تلاحقها وَصْمةُ الخطر) حينها تنكشف رمزية هذه الخيمة وهو الحق الذي تجلى بموقف الامام الحسين ع في معركة الطف الخالدة وهي نتيجة للحياة الشريفة للإمام الحسين ع.
ومن منطلق حال مشاركة القصة “خيمة” للقاص محمد العلوي وفوزها أيضا في مسابقة” للحسين ع تكتب الاقلام ” في مؤسسة البيان من بغداد العاصمة وهي مؤسسة غير الحكومية، يكون مقتضى الحال في البلاغة العربية صارت كلمة “خيمة” العنوان معرفة فالدال (النكرة)يتحول الى مدلول – كما يرى عبد القاهر الجرجاني (ت 471 هـ) – بحسب قواعد مقتضى الحال في البلاغة، فتكتسب كلمة “خيمة” المعرفة من خلال السياق الواقعي لمشاركتها بمسابقة حسينية حيث يتبادر الى الذهن هذا المدلول كلمة “خيمة” ترمز الى خيمة الامام الحسين ع في الطف- من خلال مقتضى الحال والسياق الاجرائي فيتكون لدينا نسق ظاهر معرفي هو كل ما يتعلق بتفاصيل معركة الطف الخالدة من قلّة العدد والعدّة مقارنة مع عدد وعدّة جيش الباطل العدو، نرى هذا التوضيح في بداية القصة: (قوامُها الهزيلُ) فضمير الهاء يعود على العنوان “خيمة” والضمير بصورة عامة في اللغة العربية أقوى دلالة من الاسم الصريح حيث وظف محمد العلوي هذا في تكثيف اللغة واختزال الموقف مما منح نسقا مضمرا لقصته منذ البداية كما سيأتي، فتشير كلمة (قوامُها الهزيلُ) الى مدلول قلّة العدد والعدّة العسكرية في جيش الامام الحسين ع. ثم من القصة: (قوامُها الهزيلُ لم يمنعها من الوقوف بهيبةٍ وشموخ) بمعنى الثبات والقوة والمواجهة فالهيبة في المعركة تتأتى من القوة والعزة والمنعة، والثبات على الموقف يمنح الشموخ للثابت على الحق، حتى في قلب عدوه الذي يهتز رعبا من ثبات الامام الحسين ع، فأنظر بهذا المعنى أية كلمات تصف ثبات الحقِ أبي الاحرار وأهلهِ أصحابه ع
أما في (تحتَ غطائِها الأخضر دفءٌ سامي أثار حفيظةُ النيرانِ؛ قتلتها!)
هنا يشير اللون الاخضر الى الحياة والنور الألهي المتصل بالسماء كما هي حياة الوجود تنعم بالاستمرار من خلال الدفء أو المناطق الحارة بما يوفر هذا المعنى في (دفءٌ سامي) حياة سامية فيها السمو والعلو بجميع الفضائل عما دونها، فهذه الصفات هي صفات الحق الخالد التي تجلت في الانبياء والاوصياء والتي جسدها الامام الحسين ع ومازلنا نقرأ التأويل الاولى للقصة على أنها في موضوع أو ثيمة معركة الطف قبل استشهاد ابي الاحرار ع . تلك الحياة الابدية السرمدية في دار القرار وذلك النور الالهي هو مَن انجى الحر الرياحي.. ولكن النور والدفء والسمو ذاته أثار حفيظة نيران الحقد والكراهية والحسد والطمع والجشع بل أثار الباطل كله ضد نور الله فقتله ولكنه لم يمت ومات قاتله.. هنا تنتهي رمزية “الخيمة” التي تشير الى واقعة الطف في القراءة الاولى. وبمحايثة أو مقاربة للمعنى ومازلنا في جعجعة المعركة.. فعندما تكون كلمة “خيمة” مؤنثة عنوانا وقد وظّف القاص الضميرَ ( هاء المؤنثة ) في قصته لدلالة عليها، لذا ينصرف ذهن المتلقي القاريء الى الصديّقة الطاهر عقيلة بني هاشم السيدة زينب وعيال الحسين ع بعد انتهاء المعركة، وهذا المدلول جزء من القراءة الاولى برمزية “الخيمة” تدل على معركة الطف ومعسكر الامام الحسين ع، وما جرى بعدها من سبي الى حياة الامام السجاد علي بن الحسين(عليه السلام)، حيث نجد أن الامام الحسين بقي حياً يُذكر وُيزار كما نجد هذا المعنى في رمزية الخيمة في العبارة الاتية نهاية القصة:(ومنذُ ذلك تلاحقها وَصْمةُ الخطر.) فالخطر لا يلاحق الاموات بل الاحياء ويتجلى هذا الخطر عبر أزمنه طويلة لأكثر من 1400 سنة مع تقلب الحكومات في العراق والعالم حتى تجلى اكثر ما أقدم عليه متوكل الدولة العباسية بهدم القبة الشريفة أيام حكمه، وآخر خطر كان داعش الذي اعلن مهددا جهارا نهارا بفعل يشابه فعل الدولة العباسية ايام متوكلها.
نعود الان الى معنى الشيوع والاتساع لكلمة “خيمة ” في عهد امامة الامام السجاد –ع-، بعد أن صارت القراءة الاولى واضحة جليّة، وهو ِمن النسق المضمر الخفي الذي تدركه من خلال إعادة القراءة لمرات متتالية لنص القصة “خيمة” فتتأمل حياة وسيرة الامام السجاد كانت بتلك المخاطر، ثم ينزاح المدلول ذاتها في القصة ذاتها الى حياة الامام محمد بن علي الباقر-ع- وهكذا كلما قرأت عن دراية ومعرفة بحياة الائمة المعصومين من ال بيت البنوة ع تجد المعنى واحد هي المعركة ذاتها الحق واهله واصحابه، ضد الباطل في كل زمان ومكان إلا أنه (لايوم كيومك يا اعبد الله) كما قال الامام الحسن المجتبى ع والى الان غياب صاحب الامر -عج- هو بسبب الخطر على حياته الشريفة.
في القراءة الاولى والثانية والثالثة.. نجد أن اللون الاخضر يشير اليوم الى رسول الله ( صلى الله عليه واله) والى الامام علي أمير المؤمنين ع والصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء ع وأهل الكساء حيث يأخذ الشكل الخيمة يغطيها غطاء اخضر بما يشبه وضع الكساء اليماني على اهل بيت النبوة ع ايام رسول الله ص، وهو يتصل أيضا بمعنى النور الالهي والسمو والعزة والثبات والمنعة. ومثله توظيف النص لكلمة (الوقوف ) بمعنى أن الخيمة وافقة وقد زاد وفقها انها وافقة بعز وقوة ومنعة ثبات، فالمعروف من الحديث الشريف (الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا) ومعنى القيام هنا بما يعرف اليوم الثورة بالسلاح . وقد منحت كلمة (الوقوف) في القصة المعنى الاول في القراءة الاولى في وصف معركة الطف الخالدة بمعنى القيام والثورة المسلحة في النسق الظاهر من القصة، فيما ينزاح مدلول كلمة (الوقوف) الى معنى الثبات على الحق دون ثورة مسلحة، مما اعطى مساحة تأويلية كبيرة في نسقها المضمر لقراءة ثانية وثالثة ورابعة… بما يختص بحياة كل إمام معصوم من ال محمد ص،
لنص القصة القصيرة جدا قارئ ومتلقي، حيث القصة القصيرة جدا كلمات قليلة بدلالات مكتنزة غير واضحة مخبوءة في اعماق النص، فالقارئ العادي يرى الظاهر منها نسقها الظاهر فقط ، اما المتلقي لها فهو يملك البناء المعرفي يستطيع سبر اغوار النص ونسقه المضمر منه ،
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي