النسق الثقافي المضمر لقصة “بناية قديمة ” لرأفت عادل
مؤيد عليوي
كانت إحدى قصص مجموعة رأفت عادل ” ضحكات شوبنهاور السعيد ” وقد تحدث عن عنوانها هذا وعلاقته بفحوى قصصها دكتور سمير الخليل في أمسية نادي السرد – الاتحاد العام للأدباء والكتّاب في العراق جلسة يوم ٣ تموز ٢٠٢٤ : (أن عنوان المجموعة القصصية” ضحكات شونبهاور السعيد ” يحتوي على مفارقة كبيرة فالفيلسوف السوداوي شوبنهاور لم يعرف عنه سعيدا ولا ضاحكا بل إنه يكتب فلسفة سوداوية، كما أن هذا العنوان لم يأخذ من عنوان قصة أو من سطر في المجموعة ..، وقد كتب رأفت عادل عن أجواء المدن بما فيها من كذب ودجل..، متناولا المهمل بطريقة الفنتازيا لبعض القصص، وبعضها بطريقة واقعية خالقا في سردها بنية موازية للواقعية ، من خلال تضخيم الاستبشاع ) ففي قصة ” بناية قديمة ” نجد هذه الواقعية في نسقها الظاهر وهي تحمل نسقا ثقافيا في سياقها المضمر، إذ تدور أحداث القصة في مدينة جالوس السياحية من الجغرافية المطلّة على بحر قزوين، وهي مدينة متعددة الديانات بأغلبية مسيحية، جميلة الناس والمناظر البحرية يصلها سياح من مختلف الجنسيات لكن الاغلبية من العراقيين، فالمكان من السرد جالوس رمز لإيران المتعددة الثقافات والقوميات والديانات والمتعددة الموروث المثولوجي، فتبدأ القصة بنزعة إنسانية سيّاح يبحثون عن سكن في بناية أو عمارة قديمة طبعا يكشف هذا أن أولئك السياح ليس معهم مالا يكفي للسكن في بيت على البحر أو قريب جدا من البحر حيث الايجارات اكثر مالا، فالبنايات القديمة في جالوس بعيدة عن البحر السياحي ، لذلك نجدهم يبحثون عن سكن قليل الدفع المالي ايجارا، ثم تنتهي القصة بصوت المتكلم كما بدأتْ حين يكشف المتكلم أن القطط السوداء بعين واحدة التي صادفتهم في البناية القديمة من خلال الاقتباس : (فأجابني إجابة جعلتني لا أعود الى للمنطقة مرة أخرى، عندما قال أنهم لم يعودوا يؤجرون شققا فيها منذ موت حارس العقار وابنتيه الصغيرتين منذ سنوات عديدة ) هذا السرد يحيل الى بنية معرفية عميقة في النسق الثقافي المفكر بالحياة وما بعدها فهناك آراء أرضية تقول إن الروح تنقل الى جسد ما ، وهذا مخالف للسماوي الديني ، بينما في الزرادشتية نجد قولهم إن الروح تبقى ثلاث أيام في المكان الذي توفي فيه الجسد ، وفي القصة القصيرة بوصفها أدبا فيه الواقعي وفيه المتخيل الذي أنتج تضخيم الاستبشاع كما يقول د.سمير الخليل، ثمة قط اسود بعين واحدة ومعه قطتين سوداويتين بعين واحدة أيضا ليتضح الامر في النهاية أنهما ارواح حارس العمارة أو البناية وابنتيه ،السؤال الفلسفي لماذا حصل هذا ، لما بقيت الأرواح فوق الارض المكان البناية القديمة؟! ، ولماذا على شكل قطط سوداء؟! ، وبعين واحدة ؟!،
هذا متصل بالمكان القصصي وثقافته وأفكار الموروث الحضاري في جالوس أو إيران المتعددة الثقافات، بما يتصل من النص ، فالوجهة الرسمية اسلامية ولها ثقافتها التي تنفي هذا ، إذ الروح أما في الجنة أو في النار وهناك حياة البرزخ انتهى الموضوع ، وهذه الثقافة قليلة في جالوس لذا نجد الثقافة الانسانية التي تحيل الفعل البشع الى اشبه بالأسطورة أو المخيال الشعبي الشفاهي الذي ينتج ما يريد ليصور الخير والشر كأنه يروي ملحمة ، ومن هذه الوجهة الاخيرة الملحمة فلو عدنا الى ملحمة اليونان التي دوّنها هوميروس شاعرها الاعمى، لوجدنا أن العالم السفلي للأشرار بعد الموت ، لكن في الوجود جعلت الالة اليونانية من ادويسوس عبرة لغيره حين قال انا من افعل امجادي وليس للإلهة شيء من ذلك، حتى أقر للإلهة بما تريد فأعادته الى مملكته وزوجه فينلوب ونصرته على خصومه. بمعنى لم يكن ثمة فعل لنسخ الارواح في الوجود في حضارتهم كعقوبة ما لفعل قبيح ، بمعنى لم تؤثر الحضارة اليونانية عندما احتل الاسكندر بلاد فارس في الحضارات القديمة، كما لم تؤثر الحضارة الهندية القديمة وملحمتها بحضارة بلاد فارس المجاورة لها قديما قبل وجود باكستان كدولة، فالحيوانات ترمز فيها الى الخير كما في ملحمة” الرامايانا ” الهندية حيث القرد هونامان اله الخير يساعد الملك راما يشبه جلجامش نصف اله ونصف بشر، في النقطة كان النسر الاسود شعارا لإمبراطورية كوروش في بلاد فارس القديمة، كما الاسد عند العرب يرمز للقوة، وفي حضارة بلاد مابين النهرين نجد الثور المجنح يشير للقوة، المهم أن الحضارة الايرانية القديمة كانت قائمة على العقل المادي والقياس الحاد جدا فيه حتى في انتاج الديانات وقد تم بنائها على الحجر ومنه وليس من الطين ، لذلك نسقها الثقافي متناقل عبر اجيالها بما له وما عليه من فعل حضاري لنرى اين يكون العمق الحضاري للزرادشتية -أن الارواح تبقى ثلاثة أيام في مكان اصحابها- ، في هذا الموضوع ، نراه قد تطوّر عند اللادينين في إيران وربما يعملون به من خلال الدجل والسحر في بقاء روح الميت في جسد حي أخر يعيش الوجود، ولكن ليس بعقوبة كما نستدل من النص القصصي “بناية قديمة “، أو مَن يقوم به بعض الدجل الديني لتوظيف شفرة ما من القديم الديني الايراني سماوي أو وضعي، أما الاستدلال على هذا من خلال اللون الأسود في الميثولوجيا الانسانية يدل على الشر والقبح في قط اسود أعور أيضا يدل على عقوبة وفعل قبيح في تلك الميثولوجيا ، وهذا يذهب بالبحث الى منحى ثانٍ هو إنتاج الصورة السينمائية اليوم في الانميشن -الصور المتحركة المعاصرة من انتاج اليابان ثم هوليود، حيث أنتجت افلاما كارتونية جميع الشخصيات فيها بعين واحدة لكن الذي يميز الخير والشر هو الفعل وليس الشكل أو المظهر الخارجي كما في فلم “جامعة المُرعبين ” في محاولة ثقافية لتغيير الميثولوجيا الانسانية القديمة، نذكر هذا لنقول أن إنتاج القصة القصيرة ” بناية قديمة” للقاص رأفت عادل جسدت بعدا ثقافيا لعصر القاص من خلال الافادة من الصورة السينمائية للانميشن المعاصرة، فخلق منها حيوانات بعين واحدة لعبتْ دورا قصصيا بفنيّة عالية وسرد قصصي عبّر عن فكرة كبيرة وهي العلاقات الاسرية اليوم الى أين وصلت مع المجتمع ؟ وفيما بينها الأسرة ؟ من خلال حارس البناية الاب وابنته ليظل السؤال الفلسفي ما هو الفعل القبيح الذي قاموا به لتكن النهاية هكذا بعقوبة بشعة من المتخيل القصصي ،ابعد من المكان القصصي جالوس ايران ،الى ما ينشر عن هذا الموضوع في مواقع التواصل الاجتماعي من ظواهر وأخبار عن العالم بأسره. خالقا القاص بهذا النسق الغرائبي في قصته الواقعية ” بناية قديمة ” نسقا يوازي واقعيتها ، برمزية العنوان الذي يشير الى الافكار القديمة أو الثقافات القديمة او الميثولوجيا القديمة حيث المكان البناية أو العمارة قديمة وقد جرت فيها أحداث سابقة جعلت حارسها وابنتيه قد فعلوا فعلا قبيحا بشعا لذلك كانت النتيجة غرائبية كما تقدم بنسقها الثقافي المضمر .
ياسين الغماري يكشف عن خيوط الخديعة في رواية خديعة الخديعة
لقد جُن العالم. حَكَت لها السيّدة كما لو أنّ الجدّة تحكي حكاية خُرافيّة-أنّ الجميع عاشوا ساعة الفضل في قديم الزمان....
اقرأ المزيد
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي