التواضع سمةُ الأدباء- د. جيهان الفغالي
التواضعُ سمةٌ يُنادي بها كلُّ مَن أدركَ قيمةَ الإنسان، واتّسمَ بالإنسانيّة. أليس “مَن يضع نفسَه يرتفع”؟
أعلمُ أنّ للأدباء مسؤوليّةً لا حدود لها؛ فالأديبُ أديبٌ للنّاس، لا لنفسه! وهو حين يكتب، إنّما يكتب للمجتمع، للوطن، للعالم أجمع. كونيّةٌ هي كتاباتُه. ولكن المسؤوليّة الكبرى تكمن في قدرته على أن يبقى متواضعًا! نعم، التواضع صفةٌ أساسيّة من صفات الأديب.
قال أحدهم: على كلّ إنسان أن يتّضع، لا الأديب وحده! أردّ بتساؤل بسيط:
كيف يُمكن لإنسان، يستلهم من عناصر الأدب مادّة أساسيّةً لإبداعاته، فيرنو إلى أفكاره بخيالٍ مجنّح يحمله خلف سُحُب الذكريات، وعاطفة ثائرة تائقة دومًا إلى السّكون والجنون في آن، وأسلوب شائق يضمّد جراحات القرّاء، كيف يمكن له أن يفتقر إلى التواضع؟
وكيف لِمَن يتكلّم بلسان المجتمع الذي ينتمي إليه، يجسّد معاناته ببعض حبرٍ على ورق، ويتّخذ من أرجوحة الظّلم عزيمة تنهض به وبوطنه، كيف له أن يختالَ أمام مَن يقدّره؟
كيف يستطيع النّاظرُ ببصيرته، العارفُ، الحالمُ، الكاتبُ عن جمال هذه الحياة وقُبحها، المنادي بأسمى القيم، أن يسيرَ متباهيًا صارخًا: انظروا إليّ، أنا كاتبٌ عظيم؟!
استوقفني قولٌ لحكيمٍ، طلب منه رجلٌ أن يعلّمه التواضع، فكان جوابه: ” إذا رأيتَ مَن هو أكبر منك، فقل: سبَقني إلى الأعمال الصّالحة، فهو خيرٌ منّي.. وإذا رأيتَ مَن هو أصغر منك، فقل: سبقتُه إلى الذّنوب والعمل السيّء، فأنا شرٌّ منه.”
لا أعني بالتواضع الخنوع، والخضوع! ما أقصده هو ألّا ننظر إلّا بعين المحبّة، ولا نشعر إلّا بصدقها، لأنّها لا تُعطي إلّا ذاتها، ولا تأخذ إلّا من ذاتها، كما سلّم نبيّ جبران.
قرأتُ قولًا للشّاعر الأحنف بن قيس، الذي اشتهر بالصّفح والحكمة- والصّفح وجهٌ من أوجه التواضع: ” ما تكبّرَ إلّا من زَلّةٍ يجدها في نفسِه، واعلم أنّ الكبرَ والإعجابَ يسلُبان الفضائل، ويُكسبان الرذائل، كما أنّ الكبرَ يوجِبُ المَقت.” لقد لحظ الشّاعرُ وَهْنًا في النّفس الإنسانيّة المتعالية! تنبّهَ إلى ضعف الإنسان النفسيّ، قبل أن تتطوّر العلوم الإنسانيّة، وتبلغ ذروتها، خصوصًا في مجال علم النفس. ألَم يقُل أونوريه دو بلزاك أنّه علينا أن نترك الغرور للّذين لا يملكون شيئًا آخر لإظهاره؟:
“Vous devez laisser la vanité à ceux qui n’ont rien d’autre à montrer”.
والأديبُ هو أديبُ التأمّل والوجدان، الصّمت والعرفان. يصوّر واقعًا جميلًا، أو مريرًا يسعى إلى تغييره. همُّه بناءُ حياته الروحيّة، تلك التي تنمو بفضل بعض السّمات، ومنها التواضع:
“ L’honnêteté, la sincerité, la simplicité, l’humilité, la générosité,… sont les véritables fondation de notre vie spirituelle. “
ياسين الغماري يكشف عن خيوط الخديعة في رواية خديعة الخديعة
لقد جُن العالم. حَكَت لها السيّدة كما لو أنّ الجدّة تحكي حكاية خُرافيّة-أنّ الجميع عاشوا ساعة الفضل في قديم الزمان....
اقرأ المزيد
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي