الحوار
مقدمة
في ظل عالم يعجّ بالتحديات والصراعات، تبرز أصوات أدبية تؤمن بدور الكلمة في الدفاع عن القيم والمبادئ. من جنوب لبنان، من مدينة صور العريقة، تشع الشاعرة زينب عقيل كواحدة من هذه الأصوات التي حملت همّ الوطن والأمة على عاتقها، فكانت قصائدها صوتًا صارخًا للحق، ومشعلًا مضيئًا للقيم العربية الأصيلة.
ديوانها الأول “كي تقرّ عينُها” يعكس عمق تجربتها الإنسانية والفكرية، حيث تتشابك معاني الصمود والأمل، ليصبح الشعر لديها وسيلة تعبير عن المقاومة والحب والهوية. بفضل إبداعها وتمسكها بقضايا العروبة والوطن، أصبحت عضوًا بارزًا في ملتقى الشعراء العرب، تساهم في إثراء المشهد الأدبي العربي، مؤكدة أن الشعر رسالة حضارية وإنسانية سامية.
في هذا الحوار، نتعرف أكثر على الشاعرة زينب عقيل، بين تجربتها الشعرية، انتمائها الوطني والقومي، ودورها في الارتقاء بالأدب العربي.
حاورها من القاهرة
ناصر رمضان عبد الحميد
رئيس تحرير مجلة أزهار الحرف
وإلى نص الحوار
- كيف كانت بدايتك مع الشعر؟ وما الذي دفعك إلى الكتابة الشعرية؟
بدأت بالكتابة النثريّة بسنٍّ صغير، حيث كنت أقرأ الكثير من الكتب والروايات العالميّة وأقرأ لشعراءٍ مختلفين، فبدأت تجربتي بكتابة الشّعر الموزون ومنها انطلقت إلى عالم الشّعر، وقد دفعني واقع مجتمعاتنا وأوطاننا الّذي نعيش إلى الكتابة، هذا الواقع الّذي نشهد فيه الكثير من القضايا المصيريّة الّتي تترك فينا أثرًا لا بدّ من التّعبير عنه، وقد وجدت الشّعرَ ترجمةً لهذا الواقع، فلجأتُ إليه.
- حدثينا عن ديوانك الأول “كي تقرّ عينُها”. ما هي الفكرة الرئيسية التي أردتِ إيصالها من خلاله؟
هذا الدّيوان هو باكورة إنتاجي الشّعريّ، وضعتُ فيه روحي، فرحي، حزني وما أحلم فيه، لذا فإنّ هذا الدّيوان يتنوّع بعناوين قصائده وموضوعاتها حيث يجتمع فيه الحبّ مع الوطن مع الذّات، هو نتاج أعوامٍ من صراعاتٍ ذاتيّةٍ أعيشها بيني وبين نفسي والواقع الّذي أعيش.
العنوان يحمل رمزية عميقة، ما دلالته بالنسبة إليك؟ وكيف يعبر عن مضمون الديوان؟
قلت أنّ هذا الدّيوان موضوعاته متنوّعة، ولكن جميعها عبارة عن مشاعر ذاتيّة ومواقف أعيشها بكامل تفاصيلها، ونتائجها، هو صرخةٌ ترفض كلّ أنواع الهزيمة والصّمت على واقعٍ أرفضه. والعنوان (كي تقرّ عينُها) هو الهدف من وراء هذا الدّيوان، أنا أكتب كي أرتاح، وكي تنجلي عنّي غيمة الوجع.
- بصفتك عضوًا في ملتقى الشعراء العرب، كيف ترين دوره في تعزيز مستوى الشعر العربي وإبراز المواهب؟
إنّ للمنتديات الأدبيّة الفعّالة الّتي تستقبل وتُهيء لشعراء حقيقيين دورًا لا يُستهان به، وكذلك فإنّ هذا الملتقى يدعم المواهب الأدبيّة والشّعريّة الّتي تستحق الظّهور إلى العلن.
هل كان للملتقى تأثير مباشر على تجربتك الشعرية؟
كلُّ من نشر وكتب حرفًا عن تجربتي الشّعريّة قد ترك أثرًا في هذه التجربة، وكذلك هذا الملتقى الّذي أشكر القيميين عليه.
- الجنوب اللبناني، بما يحمله من رمزية النضال والمقاومة، كيف أثر في شعرك؟
الجنوب هو الأساس وهو الحِضن لتجربتي الشّعريّة، بأشجاره، جباله، وديانه، صموده… كلّ ذلك رسمَ معالم هذه التّجربة، قصص الصّمود والمقاومة في الجنوب وحدها قادرة على أن تُخرّج ملايين الشّعراء الّذين يكتبون بحبر دمهم.
كيف يعكس شعرك قضية المقاومة، سواء ضد الاحتلال أو في مواجهة التحديات الاجتماعية والسياسية؟
الشّعر وليد الألم، ووليد الصّراعات الذّاتيّة، الاجتماعيّة، السّياسيّة، هو ابن الواقع، وفي ذلك يقول
صلاح عبد الصبور: «لست شاعرًا حزينًا؛ لكني شاعر متألّم؛ وذلك لأنّ الكون لا يعجبني، ولأنّني أحمل بين جوانحي، كما قال شللي، شهوة لإصلاح العالم، إنّ شهوة إصلاح العالم هي القوّة الدافعة في حياة الفيلسوف والنبي والشّاعر؛ لأنّ كلّاً منهم يرى النقص، فلا يحاول أن يخدع عنه نفسه؛ بل يجهد في أن يرى وسيلة لإصلاحه». لذا فإنّني أجد في كتاباتي الشّعريّة متنفّسًا لي لمحاكاة قضايا وطني وأرضي ومجتمعي، حيث أقول في إحدى قصائدي:
كما النّهرُ المُزنّرُ بالخطايا
يدُ الغرقى، وأحلامُ الصّبايا
يماماتٌ على الأسوارِ تبكي
جنونٌ مدّ وردًا للضحايا
كذا تمشي البلادُ بلا فؤادٍ
فمن يحنو ومن يمحو الشّظايا؟!
كذا الأحياءُ في الدّنيا مَواتٌ
إذا خانوا فقد خانوا المرايا
- في ظل التحديات التي تواجهها الأمة العربية، كيف تنظرين إلى دور الشعر في تعزيز القومية والوحدة العربية؟
الشّعر العربيّ في تاريخه الطّويل كان يقوم بأداء وظائف الإعلام الحديث، ينقل الأخبار، الأحداث، الواقع الّذي تعيشه المجتمعات، واليوم رغم ما تشهده السّاحة الشعريّة من تناقضات، وما تعيشه من أمراضٍ تنتشر في جسدها، إلا أنّ الشّعر الحقيقيّ الّذي يُخاطب الشّعوب ويؤلّف بينها يبقى يصارع للبقاء حتّى الرّمق الأخير في ظلّ حملاتٍ تفريقيّةٍ وتشويهيّةٍ تطال أمّتنا العربيّة بجميع أطيافها.
- هل تعكس نصوصك قضايا المرأة العربية؟ وكيف تتناولين هذه المواضيع من زاوية وجدانية أو اجتماعية؟
المرأة في شعري، هي ليست الأنثى فقط إنّما هي الأمّ والحبيبة والصّديقة والعاملة هي كلّ صوتٍ في وجه نفاقٍ اجتماعيٍّ، وكلّ ضحكةٍ تُهدّئ وجعًا، وهي العاطفة المشحونة بالخوف من آتٍ تجهله، وهنا أذكر هذا البيت:
أنا في الحبِّ ألفُ مدينةٍ لم
تنم من حزنِها فغدوتُ قُدْسا
- ذكرتِ أنكِ تعملين على إصدار ديوان شعري ثانٍ، هل يمكن أن تطلعينا على ملامح هذا الديوان؟
ديواني الجديد فيه الكثير من العاطفة ومن الحبّ والوطن.
ما هي طموحاتك المستقبلية كشاعرة، سواء على المستوى الشخصي أو الأدبي؟
في شرقٍ حزينٍ كُتب علينا أن نصارعَ لنُحقّق أحلامنا، ونحن هنا ومن هذا الوطن الّذي أعيش فيه ما زلت أحلم وأطمح، ما زلت أبحث عن القصيدة الّتي لم أكتبها بعد ولكنّني في شوقٍ إليها.
- ماذا تقولين لجمهور الشعر العربي، وخاصة للشباب الذين يسعون إلى التعبير من خلال الكلمة؟
الكلمة هي سلاح الشّعوب، فليكن سلاحكم هذا صادقًا، حقيقيًّا، يُخاطب قضايا مجتمعاتكم وأوطانكم، وألا ترفعوا هذا السّلاح في وجه شعوبكم فيكون عامل تفرقةٍ بينكم، وتكون عندها الكلمة شاهدًا عليكم.
- كيف أثمرت تجربة لبنان الأخيرة والحرب شعراً؟ وهل كانت قصائدك انعكاساً مباشراً لهذه الأحداث؟
منذ أن بدأت هذه الحرب ونحن نكتب لنخبر الكون بأنّنا أبناء أرضٍ لا تُهزم ولا تتعب من مقاومةِ أيّ احتلالٍ وأيّ قوّةٍ كانت، لذا فقد جعلت من بعض قصائدي الّتي كتبتها خلال هذه الفترة متنفّسًا لي لأقول لا في وجه الاحتلال، ولا في وجه كلّ متفرعنٍ على هذه الأرض، ولأقول أنّ جنوبنا باقٍ حتّى آخر الأنفاسِ.
- هل شكلت العودة إلى المنزل بعد الحرب تغييراً في مفهومك للإبداع والشعر؟
آمنتُ أكثر بأنّ الشّعرَ لكي يعيش لا بدّ أن يُخاطب أوجاع وآلام الشّعوب.
- برأيك، كيف يمكن للشعر اللبناني أن يحافظ على هويته وسط التحولات الثقافية والسياسية؟
القضايا المصيريّة مهما عصفت بها ريح التّحوّلات السياسيّة لا بدّ أن تبقى راسخة في قصائد الشّعراء، وأن تحافظ على هويّتها، وكذلك في ظلّ التّحوّلات الثّقافيّة التي نشهدها لا بدّ لنا أن نعمل معًا للمحافظة على الشّعر والأدب عمومًا من كلّ ما يُشوّه معالمه، وذلك بتفعيل المنتديات الأدبية والثقافيّة، وتشجيع المواهب الجديدة في مجال الكتابة، وللإعلام دوره رغم كل الصّعوبات الّتي نشهدها.
- بعد الحروب والأزمات، هل ترين أن الشعر يتجه نحو الحزن والتأمل، أم يجد طريقه إلى الأمل والمقاومة؟
نحن دائمًا نسير في طريق الأمل والتفاؤل لكي نتعافى سريعًا، المقاومة في شعرنا لا تموت مادام هناك احتلال، ما دام هناك وجع وحروب.
هل استطعتِ من خلال شعرك تقديم بصيص من الأمل للقراء رغم قتامة الأحداث؟
الشّاعر إنسانٌ مرهف، يترجم حزنه بطريقته وبأسلوبه، وهو كالمعلّم والممثّل والرّسّام يحمل رسالة، أنا كشاعرة جنوبيّة من لبنان عشت الحزن والفرح والفخر والوجع في آنٍ معًا، ولكن لا يُمكن للشّاعر أن يبقى في قوقعة الحزن طويلًا، لا بدّ له أن يُمزّق وشاح الحزن لكي يخرج إلى النّاس ويخبرهم بأنّ الشّمس ما تزال تشرقُ وبأنّنا باقون ما بقي الزيتون والأقحوان وما بقيت دالية على أكتافِ بيتٍ جنوبي. وأنا كتبت لأقول:
لم تيبسِ الأغصانُ بعد وما غفى
وردٌ على أعناقِهِ مُتأسِّفا
تبقى السّماءُ هنا قصيدة حالمٍ
أو جرحَ نهرٍ بالمروءةِ مُترفا
يبقى الجنوبُ كضحكةٍ في خاطرٍ
كالسّرِّ في صدرِ الفتى لن ينزِفا
يبقى ونبقى فالخلودُ عطيّةٌ
في كفِّ من تخِذ الكرامة مِصحفا
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي