د . منى نوال حلمى / مصر
======================
وهم الحرية أخطرمن حقيقة الاستعباد
======================== العالم تحكمه العلاقات العمودية ، ولكن بأشكال ودرجات متفاوتة . والعلاقات العمودية ، هى العلاقات من ارث العبودية ، التى تقوم بين " أعلى " ،
و ” أدنى ” ، أفرادا وجماعات .
وهذا يمكن التستر عليه أو تبريره على أنه الأفضل والمسار الطبيعى ، بغسل العقول وتضليلها بالاعلام والثقافة والفن ، ومقررات التعليم والمفاهيم الدينية .
تأمل أحوالنا يؤكد استمرار جوهر الاستعباد . فها نحن نعيش فى هذا العالم التعيس ، المتحضر شكلا ، الهمجى مضمونا ، المتعصب والعنيف ، خلقا ودينا وطباعا ، المتخم بآليات الاستغلال الطبقى والقهر الذكورى والعنصرى ، الممتلئ بأوكار الفقر والبطالة ، والجريمة المنظمة والعشوائية ، يجنى أرباحه الخيالية من تجارة المخدرات والأسلحة والدعارة والأعضاء البشرية ، والبلطجة المحلية
والدولية ، والحروب ، وتأجيج وتمويل النعرات الدينية .
فى العلاقات بين ” أعلى ” ، و ” أدنى ” ، ينظر الطرف ” الأعلى ” ، الى نفسه باعتباره ” الصيّاد ” القوى البارع فى نصب الفخ ، والطرف الآخر ” الأدنى ” هو ” الفريسة ” الضعيفة التى تقع فى الفخ .
وعملية الصيد هذه بين طرف ” أعلى ” ، وطرف ” أدنى ” ، أقدم مهنة فى التاريخ . مهنة أدرك بها البشر ، أنها هى مصدر البقاء على قيد الحياة ، ومصدر الغذاء ، ومصدر الماء ، ومصدر القوة ، ومصدر الاستعلاء ، والهيبة .
وان كنت أغفر للكائنات الأخرى مثل الطيور ، والحيوانات ، أنها للبقاء على قيد الحياة ، لابد لها من الصيد ، فأننى مع البشر ، أعتبر ذلك الفعل ” جريمة ” ،
و” عارا ” ، يدعو الى الخجل ، والاشمئزاز ، لا الى الافتخار والتباهى بالتفوق .
هل هذا معقول ؟ .. أن الانسان هو الكائن الوحيد الذى ” يقتل ” ، و” يصطاد ” الآخرين ، وهو لا يشعر بالجوع ، ولا يحتاج الى سفك الدماء ، لكى يبقى على قيد الحياة ؟؟.
بل يقتل وهو ” شبعان ” ، على عكس الطيوروالحيوانات ، حتى المتوحشة
والمتنمرة ، لا تقتل ، ولا تصطاد ، الا لتأكل ، أو تطعم صغارها .
قال ” جورج برنارد شو ” 26 يوليو 1856 – 2 نوفمبر 1950 : ” عندما يريد الانسان أن يقتل نمرا يسميها رياضة ، وحينما يريد النمر قتله يسميها شراسة “.
وقال ” فيثاغورس ” 570 – 495 ق . م ” طالما أن الانسان يقتل ليأكل لحم الحيوانات فلن يشعر أبدا بالهناء والطمأنينة والسلام “.
أكره هذه ” العقلية ” الدموية ، التى تقف وراء ” الصيد ” ، وتنفرنى الدوافع
النفسية المريضة لعملية ” الاصطياد ” .
عقلية ” الصياد ” الأقوى ، و ” الفريسة ” الأضعف . الصياد الذى يخطط ، ويتربص ، ويراقب ، ويترقب ، ويتجسس ، ويخطف ، يعد المصيدة باحتراف .
وعندما تقع الفريسة ، يحتفل ، ويفرح ، ويأكل ، ويشرب ، ويسمى الأمر
” انتصارا ” ، و ” تفوقا ” .
ان الانتصار فى أى معركة ، مرهون بوجود تكافؤ بين الأطراف المتعاركة ، والا يصبح بطشا وغدرا واستغلالا ، للطرف الأقل تكافؤا ، ولا يدعو للفخر والاحتفال .
وهذا منطق نجده فى العلاقات الانسانية بين الأفراد ، بين النساء والرجال ،
وبين الجماعات والدول . فى أى علاقة ، هناك منْ ” يصطاد ” ، وهناك منْ
تخدعه” المصيدة ” . هناك منْ يطعن بالسِكين ، وهناك منْ يسيل دمه . هناك منْ يأكل ، وهناك منْ يؤكل . هناك منْ يختبئ ، يرتدى قناعا ، مخادعا ، وربما لا يبالى ، ولا يختبئ ، ويقتل دون أقنعة . ربما فى الماضى كان القتل دون أقنعة . حديثا ، يتم القتل اما بدون أقنعة ، أو بقفازات حريرية ، وبكلمات ملتوية ، تسمى الأشياء بغير مسمياتها الحقيقية .
ان 15 % من سكان العالم ، الآن يسيطرون على مقدرات ومصائر واختيارات 85 % ، فأى عدالة حقيقية يمكن تخيلها ؟؟. هذا ما نتج عن تراكم واستمرار حضارة الدم والقتل وصيد الأقوياء ( الأعلى ) للضعفاء ( الأدنى ).
لا أنكر الاكتشافات العلمية المعرفية والتقدم التكنولوجى . لكن العالم أحمق وفوضوى .
وضع ” ايمانويل كانت ” 22 ابريل 1724 – 12 فبراير 1804 فارقا كبيرا بين العلم والحكمة . فالعلم معرفة منظمة ، أما الحكمة حياة منظمة .
وتتناقم الفوضى والحماقة مع ترسيخ عولمة ” رأس المال أهم من الانسان “.
هذا بالاضافة الى أن التقدم المعرفى والتكنولوجى ، مكرس لخدمة منْ لديهم أساسا الفائض الوفير ، ومنْ أصلا يتمتعون بامتيازات الأثرياء ، المستثمرين فى التراكم الخيالى لرأس المال .
العالم ممتلئ بالعديد والكثير من الأديان الموروثة . لكن عندما يظهر المال ، فان الجميع لهم دين واحد ، لا يثير التعصب والانقسامات ، ” الفلوس “.
أنانية رأس المال لا تفهم أن النبل الانسانى ، هو أن نعطى أكثر مما نأخذ ، وألا نقطع الغابات من أجل قطعة واحدة من الخشب ، أو نقطع الأشجار لحصد بعض الثمار .
أشبه العالم بسجن كبير ، بالعلم الزائف الذى هو أخطر من الجهل ، وبالحرية الزائفة ، التى هى أبشع من العبودية ، يضمن بقاءنا طواعية داخل الأسوار .

خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي