الراحلون على بساط النور
للشاعرة اللبنانية
غادة الحسيني بقلم ليلى بيز المشغرية
في البداية، أود أن أهنئ الشاعرة غادة الحسيني على ولادة ديوانها الجديد المضاء بالنور.
غادة الحسيني، شاعرة متميزة تتقن فن هندسة القصيدة وكأنها تمارس مهنة الهندسة الداخلية، التي هي في الأصل تخصصها.
من هناك، من بلد الحب والجمال، من شموخ الأرز وعراقة الإنتماء، من لبنان الحبيب، تطل علينا الشاعرة الراقية وفي جعبتها قناديل موشومة بالجمال، رغم الطابع الحزين الذي يخيم على معظم الومضات، والسبب هو ما يمر به وطننا من الآم و مآسٍ. لقد قدمت له بنفسها قصيدة تعبر فيها عن مدى حبها لوطنها وتعلقها به، وعن حالة الخوف والقلق على مصيره في خضم الحرب الدامية والمدمرة التي تعرض لها مؤخرًا وما زال يعاني منها.
يتألف الديوان من (102) صفحة، تضم تسعًا وثلاثين ومضة شعرية وإحدى وأربعين ومضة نثرية.
توزعت الومضات بين الحب، حب الوطن، الأمل، الشوق، الحنين إلى الذين رحلوا، وخاصة شريك حياتها، والقلق… القلق على الوطن، والقلق من المستقبل، والخوف من الوحدة، وغير ذلك.
اتسمت ومضاتها بالإيجاز والبلاغة والتنوع، وقد كتبتها الشاعرة بوجدان عميق يجعلنا نرى انعكاس روحها في كل ومضة . وكان للوطن الحظ الأكبر والأوفر فيها.
استمتعت كثيرًا وأنا أتصفح محتواه؛ فهو وجبة غنية تضاف إلى العقل والروح.
فمثلا في الومضة غروب (صفحة 18)، تقول الشاعرة:
دع عنك آلام الغروب
وألن جناحك للحبيب
واسعد بحبك قبل أن يأتي المشيب
فالشوق مثل العمر
يرحل لا يبالي بالوجيب.
تحمل هذه الومضة بُعدًا وجدانيًا عميقًا، يتأرجح بين الحنين والاستمتاع بلحظة الحب قبل أن يداهمنا الزمن.
والملاحظ هنا ثنائية (الغروب والمشيب):
وظفت الشاعرة الغروب كرمز لانتهاء مرحلة أو اقتراب مرحلة النهاية، وأقرنته بالمشيب الذي يمثل الزمن الذي يطوي العمر ويأتي الغروب، تتبلور هنا فكرة استغلال اللحظة الحاضرة قبل أن تنقضي.
كما اعتمدت
الومضة على المخاطبة المباشرة (“دع عنك”، “ألن جناحك”)، مما يضفي طابعًا شخصيًا، وكأن الشاعرة تقدم نصيحة وجودية للقارئ.
استخدمت الشاعرة صورًا شعرية بسيطة لكنها مؤثرة، مثل “الشوق مثل العمر”، حيث تشبّه الشوق بشيء زائل لا يتوقف. وتتولد الموسيقى الداخلية من التوازن الإيقاعي والجرس الموسيقي للقوافي (الحبيب/المشيب/الوجيب).
كما
تعبر الشاعرة عن فلسفة “العيش في اللحظة”، داعيًة إلى الاستمتاع بالحب والشغف قبل أن يختفي تحت وطأة الزمن، مما يجعلها تعكس نزعة إنسانية خالدة.
وفي ومضة لن أعاتب فيك القمر (صفحة 48)، تقول الشاعرة:
كيف اعتراضي
يا قضائي والقدر
حورية ترسو على
ماء البحار بلا حذر.
الموج شقّ عبابه،
والحب ضاع زمانه،
وسفينتي
تاهت،
وأغرقها البشر.
الومضة تحمل طابعًا دراميًا يمزج بين الاستسلام للقضاء والقدر وحالة الإنكسار الناتجة عن ضياع الحب وخيانة البشر. الومضة مشبعة بالرمزية واللغة الشاعرية التي تعبر عن صراع داخلي عميق
اعتمدت هنا الشاعرة على ثنائية (القمر والحورية)
القمر رمز للجمال والبهاء ، بينما الحورية تمثل الحلم أو الأمل الذي يرسو على الماء (رمز الهشاشة) بلا حذر، مما يعكس الاندفاع العاطفي.
وفي حالة من الصراع
يتجلى الحزن في صور ضياع الحب وغرق السفينة بفعل البشر، مما يشير إلى خيانة أو خيبة أمل اجتماعية.
كما
اعتمدت الشاعرة لغةً موسيقية وصورًا قوية، مثل “الموج شقّ عبابه”، التي تعبر عن إحساس بالفقد والصراع مع قوى الطبيعة والقدر.
لقد أبدعت الشاعرة غادة الحسيني في ومضاتها وأغنت عالم الثقافة بجوهرة جديدة من بحر فكرها الثري والترف.
وختاما لا يسعني إلا أن أتمنى لها دوام التوفيق والنجاح والمزيد من التألق والإبداع..
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي