فِي حَضْرَةِ الغِيَابِ…
الْيَوْمَ يَا أُمِّي
بَلَغَ عُمْرُ غِيَابِكِ عَامَهُ الثَّانِي،
وَفِي الْقَلْبِ نِيرَانُ الشَّوْقِ لَا تَنْطَفِئُ،
وَقَهْوَتُكِ مَا زَالَتْ عَلَى النَّارِ،
تَنْتَظِرُ ثَلَاثَ مَلَاعِقَ بُنٍّ لِتَكْتَمِلَ
أَرْوَعَ جَلْسَةٍ فِي الدُّنْيَا…
أَنَا وَأَنْتِ وَأَحَادِيثُنَا الَّتِي لَا تَنْتَهِي،
تِلْكَ الْأَحَادِيثُ الَّتِي تَبْدَأُ بِرَائِحَةِ الْقَهْوَةِ،
وَنَكْهَةِ الْحُبِّ الَّذِي كُنْتِ تَزْرَعِينَهُ فِي تَفَاصِيلِ يَوْمِنَا.
كُنَّا نَجْلِسُ مَعًا،
أَرْتَشِفُ مِنْ حِكْمَتِكِ كَمَا أَرْتَشِفُ الْقَهْوَةَ،
وَنَسْتَمِعُ لِفَيْرُوزَ تَصْدَحُ بِأَغَانِيهَا،
فَتُحْيِينَ صَبَاحَاتِي بِكَلِمَاتِهَا وَأَنْتِ بِجَانِبِي.
“كَيْفَكِ إِنْتِ؟” كُنْتِ تَقُولِينَهَا لِي وَأَنْتِ تَمْزَحِينَ،
فَأُجِيبُكِ بِعَيْنَيْنِ مُمْتَلِئَتَيْنِ حُبًّا وَامْتِنَانًا.
كَأَنَّ الْعَالَمَ كُلَّهُ يَتَآمَرُ عَلَى السَّكِينَةِ،
إِلَّا أَنْتِ،
تُعِيدِينَ تَرْتِيبَ الْفَوْضَى بِدَاخِلِي
بِكَلِمَةٍ، بِابْتِسَامَةٍ،
أَوْ بِمُجَرَّدِ وُجُودِكِ.
لَيْتَ زَمَنَ الْمُعْجِزَاتِ لَمْ يَوْلِّ،
لَيْتَكِ تَعُودِينَ،
لِأَصْرُخَ: “أُمِّي!”
مِنْ أَعْمَاقِ أَعْمَاقِ رُوحِي،
لِأَضُمَّكِ، وَأَشُدَّكِ إِلَى قَلْبِي،
فَتَأْخُذِينَ مِنْ دَقَّاتِهِ مَا تَشَائِينَ،
أَوْ نَتَشَارَكُهَا،
لِنَعِيشَ مَعًا مِنْ جَدِيدٍ.
لَكِنَّ الْآنَ،
لَمْ يَبْقَ لِي سِوَى ذِكْرَيَاتِكِ،
وَحَدِيثِ الْقَهْوَةِ مَعَ غِيَابِكِ،
وَصَوْتِ فَيْرُوزَ يُعِيدُنِي إِلَيْكِ فِي كُلِّ صَبَاحٍ.
وَأَنَا هُنَا،
كَغُصْنٍ مَكْسُورٍ،
أُعِيدُ تَرْتِيبَ حَيَاتِي عَلَى أَمَلٍ،
أَنْ أَلْتَقِيَكِ فِي زَمَنٍ آخَرَ،
حَيْثُ لَا فِرَاقَ وَلَا غِيَابَ،
وَحَيْثُ الْقَهْوَةُ لَنْ تَبْرُدَ،
وَالْأَحَادِيثُ لَنْ تَنْتَهِي أَبَدًا.
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي