“أيقظني الديك”
للروائية السعودية رجاء البوعلي
والطفولة بين زمانين
يشكل العنوان كما يقول النّقاد عتبة لفهم المحتوى فالرواية التي بين أيدينا تحمل عنوان “أيقظني الديك” وتمثل مدخلًا رمزيًا يوحي بالبدايات الجديدة واليقظة من الغفلة المجتمعية. الديك هنا ليس فقط رمزًا للصباح، بل أيضًا استعارة لجرس إنذار يلفت الانتباه إلى القضايا الصادمة التي تناولتها الرواية، مثل التحرش الجنسي، العنف الأسري، وقضايا الهوية والتحول الفكري.
العنوان يربط بين الشخصي والكوني، بين الطفولة التي تستيقظ على حقائق مؤلمة وبين النضوج الذي يسعى إلى التصدي لها.
الزمان والمكان
- الزمان:
تدور الأحداث بين عام 1992 وعام 2022، مما يُظهر التحولات السياسية والاجتماعية التي عاشها الخليج والعالم العربي خلال ثلاثة عقود.
الزمن يتسم بمرونته في الرواية، حيث ينتقل بين الماضي والحاضر لاستدعاء الذكريات ومقارنتها بالتطورات الحاصلة.
- المكان:
المنطقة الشرقية المطلة على البحر في المملكة العربية السعودية التي تعكس جمال الطبيعة وصفاء الطفولة، بينما المدن الأوروبية (برشلونة ونابولي) تقدم خلفية حضارية تُبرز التباينات بين الشرق والغرب.
البحر يمثل الرابط بين الحنين للماضي والانفتاح على آفاق جديدة.
الشخصيات
- ميار: البطلة المحورية، التي تنتقل من طفلة بريئة إلى محاضرة متخصصة في علم النفس، تعكس نموذجًا للمرأة القوية الواعية التي تحمل قضية مجتمعية على عاتقها.
وتحاول أن تعالج ما كان أمامها من سلبيات من خلال التفاعل بالتعليم والمشاركة للتغيير - سالم: الأخ الذي يرمز إلى القيم الذكورية التقليدية التي تتغير مع الزمن. قصته مع رفض أخته ركوب الدراجات يقدم نموذج للذكورية والخوف من كلام الناس
- جاسر: صديق الطفولة وزوج ميار لاحقًا، يمثل الحلم والشريك الداعم. زواجهما يجسد تتويجًا لرحلة طويلة من التفاهم والنضج المشترك.
وتخطي العقبات والماضي وفكرة التحرش به صغيرا من المدرس ليكون مثالا للتفكير الإيجابي وترك الماضي - الأصدقاء والمجتمع: تشكل هذه الشخصيات(أسيل /لجين /غيداء الخ)
خلفية حيوية للحكاية، حيث يظهر التفاوت بين الطفولة البريئة والواقع القاسي الذي يواجهونه عند النضوج.
الحبكة
الحبكة الرئيسية تدور حول قضية التحرش الجنسي وآثارها النفسية، وهي خيط يجمع العديد من الخطوط السردية الفرعية:
ذكريات الطفولة واللهو البرئ.
تأثير الحروب (صبرا وشاتيلا وحرب الكويت).
التمييز بين الجنسين وأثره النفسي والاجتماعي.
التربية النفسية والتعليمية ودور المرشد النفسي في المدارس.
العلاقات الأسرية المعقدة وقضية زنا المحارم والعنف الأسري.
الانفتاح الثقافي والتفاعل مع الغرب.
الرواية تنسج هذه الخطوط في إطار اجتماعي وثقافي غني يعكس التحولات الكبرى في حياة الأفراد والمجتمعات.
تقنيات السرد
- السرد الزمني المتقدم والمتراجع: توظيف الفلاش باك لاستعادة ذكريات الطفولة ومقارنتها بالحاضر.
- تعدد الأصوات: التنقل بين أصوات الشخصيات، خاصة ميار، مما يعزز العمق الإنساني للنص.
- التناص الأدبي: الاستشهاد بأشعار ابن الفارض :
زدني بفرط الهوى فيك تحيرا
وارحم حشى ً بلظى هواك تسعرا
وإذا سألتك أن أراك حقيقة
فاسمح ولا تجعل جوابي لن ترى وأشعار غازي القصيبي (٢٩٤٠/٢٠١٠)
أواه سيدتي السبعون معذرة
بأي شيء من الأشياء نحتفل
أبالشباب الذي شابت حدائقة أم بالأماني التي باليأس تشتعل
يعطي الرواية بُعدًا ثقافيًا عميقًا. - الوصف التفصيلي: الرواية تزخر بوصف الأماكن والأحداث، خاصة أثناء انتقال ميار بين المدن المختلفة.
- الحوار: رغم كثرة الحوارات التي أضعفت السرد أحيانًا، إلا أنها كانت أداة لكشف الشخصيات وتطورها.
القضايا المحورية
- التحرش الجنسي:
أبرزت الرواية قضية التحرش كجريمة تؤثر على الضحايا من الأطفال والنساء على حد سواء.
تجربة جاسر مع التحرش، وزواج ميار بجاسر الذي دعمها في مواجهتها للقضية، يجسد رسائل اجتماعية حول أهمية الدعم الأسري والشراكة.
- الحروب والخوف:
تأثير حرب الخليج وصبرا وشاتيلا على الأطفال والأسر يظهر كيف تشكل الحروب ذاكرة الخوف والمأساة.
تناول الرواية لتجربة اللاجئين الفلسطينيين يعكس بعدًا إنسانيًا عالميًا.
- العنف الأسري وزنا المحارم:
عرضت الرواية قضية اعتداء الآباء على بناتهم بجرأة من خلال قصة لبنى ووالدها.
المشهد في برنامج “حديث مكشوف” جسد الصدمة والضرورة الملحة لمواجهة هذه الجرائم.
- الفروق بين الجنسين:
تناول الرواية لمنع ميار من ركوب الدراجة يعكس القيود الاجتماعية المفروضة على الإناث منذ الطفولة.
- التربية والتعليم:
أكدت الرواية أهمية دور المرشد النفسي في المدارس لمعالجة المشاكل النفسية للطلاب.
- الثقافة والفن:
تطرقت الرواية إلى شارع الفن كرمز للتنوير، والحديث عن المثقفين الخليجيين مثل غازي القصيبي كتكريم للإبداع.
- الانفتاح الثقافي:
سفر ميار وحضورها مؤتمرات دولية يعكس التفاعل مع الغرب ومواجهة التحديات الثقافية.
النقد الأدبي
الإيجابيات:
- ثراء الموضوعات: تناول الرواية قضايا اجتماعية متعددة بجرأة.
- اللغة الأدبية: التناص الأدبي واستخدام الشعر أضافا عمقًا ثقافيًا.
- عمق الشخصيات: رسم الشخصيات بطريقة إنسانية تجعل القارئ يتعاطف معها.
- الزمان والمكان: الربط بين الزمان والمكان أضفى طابعًا حميميًا وأصيلًا على الرواية.
السلبيات:
- كثرة الشعر: الإكثار من الشعر أضعف من تماسك السرد في بعض الفصول.
بداية من المدخل ص ٧
وبداية الفصل الثاني من ص ٣٧:٤٠
ومن ص ١٢٦ :١٣١ - الإطالة: بعض الفصول بدت أطول من اللازم.
- الحوار: الحوارات المكثفة أخلت بالسرد في أجزاء من الرواية.
4_ بعض الأخطاء اللغوية القليلة جدا
مثال :
المعوذات
الأصح
المعوذتين
في النهاية
رواية “أيقظني الديك” تمثل عملًا أدبيًا جريئًا يتناول قضايا اجتماعية معقدة. على الرغم من بعض العيوب الفنية، إلا أن الرواية نجحت في نقل رسائل إنسانية وثقافية عميقة. رحلة ميار من الطفولة البريئة إلى النضوج الواعي تعكس مسيرة مواجهة القهر والتحرر من قيود الماضي. الرواية تستحق الإشادة كإضافة نوعية للأدب الخليجي والعربي.
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي