تأمل فلسفي في إشراقة الصباح
النقاء والبهاء:
حين يتسلل نور الصباح إلى أعماقنا، يتجاوز ضوءه حدود الفيزياء ليصبح رمزا يعانق أعمق أسرار الوجود. ما هو هذا “النقاء” الذي ننشده؟ وما معنى “البهاء” الذي يلف حضورنا بلحظات الصفاء؟
الصباح، في بساطته المذهلة، لا يمنحنا أجوبة، بل يطرح أسئلة صامتة تُلامس جوهر إنسانيتنا. لماذا ننجذب للنقاء؟ هل لأن النقاء هو لحظة تخلٍّ، حيث تضع الروح أوزارها؟ أم لأنه عودةٌ إلى نقطة البدء، إلى لحظةٍ لم تُلوَّث بعد بصخب الأيام؟ النقاء ليس غيابًا للشوائب فقط، بل هو مواجهةٌ للذات حين تُغسل من زيف الأقنعة.
أما البهاء، فهو انعكاس لهذا النقاء في العالم الخارجي. ليس في المظاهر وحدها، بل في قدرتنا على أن نكون نهرًا هادئًا ينساب داخل أرواح الآخرين، يروي عطشهم دون أن يخدش ضفافهم. البهاء هو الضوء الذي يصمد أمام ريح العتمة، لأنه ينطلق من أعماق لا تطالها يد الزمن.
لكن، في عالم يغرق في التوتر والضجيج، كيف نستعيد النقاء والبهاء؟
ربما تكون الإجابة في درس الصباح. الصباح ليس مجرد بداية يوم، بل هو حالة وجودية متجددة، لحظة ولادة تتحدى كل ما سبقها. إنه دعوة لتجديد الروح، لتصفية الذهن من شوائب الأمس، ولرؤية الحياة كما هي، بعيدًا عن إسقاطاتنا.
في فلسفة الضوء:
الصباح هو لقاء بين الظلام والنور، بين الغياب والحضور. هذا التدرج، هذا الانسياب، هو ما يمنح الصباح جوهره. النقاء لا يعني غياب العتمة، بل القدرة على احتضانها وتحويلها إلى وقود للنور. كذلك البهاء، هو النور الذي يولد من رماد الألم، هو الجمال الذي ينبت من جراح الروح.
ربما يهمس لنا الصباح بدروس أعمق:
النقاء لا يعني الفرار من الألم، بل التعايش معه دون أن تُثقل الروح. البهاء لا يعني الكمال، بل أن تكون قادرًا على بث السلام، حتى لو كنت تحمل داخلك صراعات لا تنتهي.
الخاتمة:
النقاء والبهاء، مثل الصباح، هما وعدٌ بالتجدد. كل إشراقة هي فرصة للبدء من جديد، لنقف أمام مرآة أرواحنا ونرى وجوهًا غير مألوفة، وجوهًا تعرف أن النقاء ليس حالة، بل رحلة، وأن البهاء ليس غاية، بل طريق يضيء خطانا، لنكون أكثر إنسانية وسط عتمة العالم.
نازك الخنيزي
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي