عين الخيال
استقراء فلسفي موجز في رواية ثالث ثلاثة
للروائي الدكتور أشرف المسمار
بقلم: الدكتورة بهية الطشم
” كل ما يتألم يريد أن يحيا.”
هي العبارة التي اوجز بها فيلسوف المطرقة والقوة فريدريك نيتشهNietshe ماهية الكائن البشري في سيرورة الحياة.
تنزل أحداث رواية :”ثالث ثلاثة” شظايا الذات للروائي أشرف المسمار من سماء الخيال الى واقع ملموس وممزوج بالآلام؛ حيث أسقط الكاتب مجموعة اسقاطات نفسية projections على بطلة الرواية:” يم” بدءاً من احداث طفولتها…مروراً بمراهقتها وصولاً…الى تبنيّها وتنفيذها لفكرتين : الانتحار النفسي ثم الانتحار الجسدي.
تُعدّ الرواية المذكورة صرخة مدويّة ضد التسلط الذكوري. الأعمى وتدلل في سيميائية حروفها ولدن حبكتها على ضرورة تكريس تنشئة نفسية سليمة للاطفال.سيّما تربية الاناث…ولا غرو في ذلك لأن الطفولة هي الارهاصة النفسية الأولى التي تؤسس لكافة المراحل العُمرية في نفس الانسان.
لقد تشوّهت عقدة إلكترا
COMPLEX
D ELeCTRA
عند الشخصية الرئيسية في الرواية…..
وعقدة الكترا التي تفسر وفقاً لأب التحليل النفسي فر ويد تعلق الفتاة بأبيها….
فأول رجل تحبه المرأة في حياتها هو والدها….أمّا اذا تزعزعت صورة الأب نفسياً في عيون الفتاة…..
كان ذلك بمثابة السبب الاساسي لتشتتها نفسياً….وضياع الصورة الحقيقية والصحية والسوية لأنوثتها في مرحلة النضوج….
وتجدر الاشارة الى أن سيكولوجيّة المرأة في مجتمعاتنا الذكورية غالباً ما تكون ضحية لمكر الرجال السيكوباتيين…النرجسيين…والانتهازيين….
مكر هؤلاء الرجال أجبر صاحبة فكرة الانوثة المشوّهة
على الانتحار النفسي ثم الجسدي….
لقد حاولت يم إثبات ذاتها المشتتة من خلال التحوّل الجنسي المرفوض دينياً واجتماعياً؛ فكانت:” طيف رجُل بذاكرة أنثى.”
وها هنا…نستحضر اقوال مؤسس علم الاجتماع دوركايم الذي تصدّى في مؤلفاته لظاهرة الانتحار….
معتبراً: ” ان الانسان مزيج من صفاته الفردية والصفات التي اوجدها فيه المجتمع. ” معتبراً أن الخوف من نظرة المجتمع هو السبب الاساسي لحدوث الانتحار الفردي والجماعي…..
وختاماً ….نقول: أن الحياة هي فن العيش ؛ والخاسر الأكبر من يخسر نفسه او من لا يحبها حُباً صحياً وسوياً ويصغي لهواجسها بإمعان عاقل….بمنأى عن الانفعالات المتطرفة أو الشاذة…
لقد وضع الكاتب الاصبع على الجرح الوجودي في فلسفة الفتاة المكسورة نفسياً من ذنب أنوثتها في المجتمع المريض وكانت الاضاءة ساطعة وبعين الخيال على ظاهرة غريبة…..( التحوّل الجنسي) في محاولة للهروب …الى واقع مختلف…
ولعل الغربة كانت بمثابة المحرّك لأحداث
الرواية في اطار دراماتيكي؛
ولكن الاغتراب عن الذات هو المصير البائس للشخصية المحورية.
ويبقى القول ان الحياة بماهيتها هي سلسلة من الممكنات والمستحيلات…وكما اعتبر برغسون:” نعيش الحياة ولا نستطيع تحديد كنهها.”
ولعلّ أفضل الممكن في عالم الإمكان والإستحالة أن نكون نحن أنفسنا النسخة الأفضل عن أنفسنا وليس عن صورة الآخر ….مهما بلغ مبلغ التحديات الوجودية …فالتقمص الجسدي أو الوهمي الأعمى للآخر هو قتل للهوية الذاتية وضياع مُصاحب للندم( عدو السعادة) والاطمئنان.
