في عالم الأدب، ومن خلال القصيدة الشعرية التي تغيّرت عبر الزمن منذ سوق عكاظ إلى اليوم، تجاوزت القصيدة القوافي والقواعد المتعارف عليها التي تركها الأجداد من بحور الشعر إلى عوالم جديدة ومتجددة في فن القصيدة الشعرية الحرة، التي تخطّت فن الكتابة النثرية أو السردية. إنه الشعر الحر، لكنه مبني على القافية وفن الإيقاع والأنغام والموسيقى.
من هذا المنطلق تطلّ علينا الشاعرة طيغة تركية، من مواليد 1971 في الجزائر.
للشاعرة عدة إصدارات، وهي على الشكل التالي:
2023: بريد الروح
2024: أبراج العشق
2024: لن نبيعك يا وطني
2025: صقيع الورد
وقد صدرت هذه المجموعات الشعرية جميعها عن دار النشر المثقف في دولة الجزائر.
والشاعرة طيغة تركية ناشطة على منصات التواصل الاجتماعي، لكن بأسماء مستعارة مثل “زهرة السلام” و”تاء وتاء”. ورغم ذلك، فهي شاعرة مبدعة في القصيدة الشعرية الحرة، كتبت بحبر الوجع، وعن توقّف الحياة لتوقظ نبض القلب، وعن الإيمان بالله والرحيل إلى أحضانه من همّ الدنيا وانشغالاتها الفانية، حتى بدت وكأنها شاعرة متصوفة.
ومن هنا، كان لمجلة أزهار الحرف هذا الحوار معها، لنبحر في قصائدها وذكرياتها وتأملاتها ومسيرتها الفنية ورحلتها مع الكتابة الشعرية.
حاورها من المملكة المغربية: محمد زوهر
—
1) في البداية بطاقة تعريف للشاعرة المتميزة، طيغة تركية… ؟
ج: في البداية أقدّم شكري للأستاذ القدير محمد زوهر على منحي هذه المساحة الرائعة على صفحات مجلة أزهار الحرف، وكذلك الشكر موصول إلى مدير المجلة الأديب ناصر رمضان عبد الحميد، دون أن أنسى القائمين عليها، وأتمنى لهم جميعًا كل التوفيق والنجاح ومزيدًا من التألق للمجلة.
أنا شاعرة جزائرية من إحدى ولايات الشرق الجزائري، لديّ مستوى جامعي، وأعمل حاليًا بإحدى مستشفيات الولاية كإطار إداري. إنسانة متواضعة ومسالمـة، ومن هنا جاءت تسمية اسمي المستعار “زهرة السلام”، وهو الاسم الذي عُرفت به في الوسط الأدبي وعلى صفحات المنتديات والأكاديميات والمجلات الأدبية. حملت الشعر سلاحًا وصوتًا أصفع به شرخ هذا الواقع، فهو غذاء للروح ونافذة للحرية، يجعلني أحلّق في عالم مليء بالألوان والتناقضات، ويجعلني شامخة وسط الانكسارات التي تحيط بي.
2) كيف بدأت رحلتك مع القصيدة الشعرية… ؟ وما سبب اختيارك لهذا الجنس الرفيع… ؟
ج: كانت بدايتي مع الكتابة في المرحلة المتوسطة، حيث بدأت بكتابة الخواطر، ثم وجدت نفسي أكتب أبياتًا شعرية من بيتين إلى ثلاثة أبيات، وبعد ذلك أصبحت أكتب القصيدة كاملة. كنت حينها أشارك في مسابقات على مستوى الولاية واحتللت مراتب أولى في صنف الخاطرة. أما سبب اختياري لهذا النمط فهو ميولي الشديد له، ولما يحمله من تعبير راقٍ وصور بيانية جميلة على غرار الألوان الأدبية الأخرى.
3) ما الرسائل التي تحاولين إيصالها للمتلقي من خلال قصائدك الشعرية… ؟
ج: أكتب في أغلب المواضيع، سواء كانت مشاعر ذاتية أو مواضيع اجتماعية أو أخلاقية. ومن خلال قصائدي أحاول أن أصل إلى قلوب القراء وأستحوذ على مساحات واسعة بداخلهم. أقدّم نصائح في إطار الخير، والحثّ على التحلي بالأخلاق الدينية، والدعوة إلى نشر الحب والسلام بين الشعوب ونبذ الفوارق الاجتماعية. كما جاء في إحدى قصائدي بعنوان تعلّم:
“تعلّم يا أخي واعقل، وخذ من درسك الأول”
وهي عبارة عن مجموعة من النصائح، ولهذا أحاول دائمًا أن أزرع كل الأشياء الجميلة التي ترفع درجات الإنسان في الدنيا والآخرة.
4) كشاعرة عربية نسائية، ما المشاكل التي واجهتك مع محيطك… ؟ وكيف احتضن المجتمع العربي كتاباتك… ؟
ج: نعم، في البداية كنا نعيش في محيط اجتماعي لا يملك أفكارًا واسعة عن الكتابة، وخاصة أن تكون المرأة شاعرة، فكانوا ينظرون إليها نظرة ضيقة. لم أظهر كثيرًا، حتى إن مشاركاتي كانت قليلة، وانقطعت عن الكتابة لأكثر من عشر سنوات نتيجة تلك الأفكار. لكنني عدت دون مبالاة بالمحيط، وبدأت من جديد، وجمعت ما كتبت، وكانت بدايتي بنشر أول كتاب بريد الروح.
5) ما الرسالة الفنية التي يحملها ديوانك الشعري أبراج العشق الصادر سنة 2024… ؟
ج: أبراج العشق مجموعة شعرية تحمل في طياتها مضارب العشق وكيفية الغوص في معانيه حتى تترك الروح لتعيش في منتهى السلام. فنجد عشق الذات، وعشق الوطن، وعشق الانتماء. ولكل إنسان عشقه الخاص وكيف يعيشه. ومن منطلقي صوّرت نفسي أنها ستعيش في أي مكان دخلته، كان فيه عشقها، فهي قد ارتقت إلى برجها العاجي لتسكن فيه.
6) حدّثينا عن ديوانك الشعري لن نبيعك يا وطني… وعن أي وطن تتحدثين… ؟
ج: هذه المجموعة تحمل في حروفها صرخات عارمة، وفي سطورها انتفاضات جسدٍ لعالم الدمار والظلم، وترفض رفضًا قاطعًا للتواجد المعادي للإنسانية. كانت حروفها تحمل صدق المشاعر ونبضات حب لأخوة مشرّدين في ظل انتكاسات مخزية. أما الوطن الذي أتحدث عنه فهو فلسطين، كل القصائد كانت فلسطينية الحرف والهوية، لأننا لا نبيع هذا الوطن مهما كان الثمن.
7) هل لاقت دواوينك الشعرية إقبالًا من القراء… ؟ وهل الكتابة الورقية مازالت مؤثرة في المشهد الثقافي… ؟
ج: لم أكن أطبع الكتاب من أجل التسويق، حتى إنني لم أطبع أكثر من خمسين نسخة في كل مرة، وكنت أقدّمها إهداءً للأصدقاء والمكتبات. أما عن الكتابة الورقية، فألاحظ أنها تراجعت في مجتمعاتنا، وحلّت وسائل التواصل الأخرى محلها. نأمل أن تعود ثقافة القراءة من جديد.
8) هل تناول النقد العربي مجموعاتك الشعرية… ؟ وكيف تفسرين هذه الظاهرة… ؟
ج: أغلب قصائدي غير منشورة، وكذلك كتبي لم تأخذ حقها من النشر. لكن بعض القصائد تناولها النقاد، مثل:
أنا وحدي فلسطيني: الناقد طارق العبودي.
أنا العربي يا أرض: الناقد حمدي البوقي.
تعلّم: الناقدة غزلان حمدي.
تفرجوا: الناقد إسماعيل آل رجب.
أما ظاهرة قلة النقد، فأفسّرها بعدم وجود متابعة من الشاعر أو الكاتب، وكذلك من أصحاب الاختصاص، لذلك أرى من الضروري ربط جسور التواصل بين الطرفين.
9) ككاتبة قصائد شعرية، كيف تشرحين لنا كتاباتك الشعرية… ؟ وهل لك أسلوب يميزك… ؟
ج: نعم، في البداية الموهبة ضرورية، ثم تأتي الممارسة لتصقلها. قد يشبه أسلوبي أحدهم، لكنني أبحث عن بصمتي الخاصة. عند الكتابة أشعر أنني أسلخ جلد مشاعري لأعجن به حروفي وأخرجها بلغة عفوية تجعل القارئ يتذوقها ببساطة.
10) هل تحبين قراءة الشعر العربي القديم والحديث… ؟ ومن هم شعراؤك المفضلون… ؟
ج: أحب الشعر الموزون والهادف، وأميل كثيرًا إلى الشعر القديم وخاصة شعراء الجاهلية. أما الحديث، فأميل إلى الشعر الثوري الحماسي مثل محمود درويش وسميح القاسم.
11) ما الرسالة التي يحملها ديوانك صقيع الورد الصادر سنة 2025… ؟ وهل هناك إصدارات جديدة في الطريق… ؟
ج: صقيع الورد يحمل رسائل عديدة، فهو مزيج من المشاعر الذاتية والهوية الوطنية والروح القومية العربية. يصوّر الوطن العربي الذي كان كالورد، فحط عليه الصقيع وجرّده من الرقي، نتيجة الشتات والتخلي عن الروابط الروحية والدينية. أما عن الإصدارات الجديدة، فأنا أعمل على تحضير وتدقيق بعض القصائد لنشرها قريبًا.
12) تتابعين مجلة أزهار الحرف المصرية الإلكترونية… ما رأيك فيها… ؟
ج: عرفت المجلة مؤخرًا من خلال الأستاذ محمد زوهر، وأُعجبت كثيرًا بمحتواها وجهودها في نشر الأدب والشعر. أنصح الأدباء والشعراء بالانضمام إليها لأنها بوابة للتألق والرقي.
13) ما رأيك في الملتقيات الأدبية والفنية، خاصة ملتقى الشعراء العرب ومجلة أزهار الحرف… ؟
ج: هذه الملتقيات جسور تحمل الكاتب إلى بر الأمان، من خلال النشر والنقد والتحفيز على تقديم النص الجيد. وما تقوم به مجلة أزهار الحرف شيء مميز وهادف للغاية.
14) ما السؤال الذي كنت تتمنين أن يُطرح عليك… ؟
ج: كنت أتمنى أن يُطرح عليّ: ما الفرق بين الشعر والشعراء قديمًا واليوم؟
وأجيب: إن حال الشعر والشعراء اليوم على حافة الهاوية، لأنه تجرد من الروح والمعنى والقيم، وتخلّى عن الصور البيانية. أتمنى أن يعود الشعر إلى مكانته الحقيقية، ويصبح وسيلة لتوعية الأفراد وبناء حضارة لا تزول.
15) ما الحلم الذي مازال يسكنك كشاعرة… ؟ وكيف تحبين أن يتذكرك المتلقي… ؟
ج: حلمي أن تصل أشعاري إلى قلوب الناس في كل أنحاء العالم، حاملةً الحب والمشاعر الجميلة. كإنسانة، أتمنى السلام والأمن للمسلمين جميعًا، وخاصة لفلسطين. أما كيف أريد أن يتذكرني الوسط الثقافي، فأرجو أن يذكروني بالخير، وأنني سعيت لنشر المحبة والخير، وأن الحب هو الذي يجمعنا.
وفي الختام، أشكر الأستاذ القدير محمد زوهر، والأديب والشاعر والناقد ناصر رمضان عبد الحميد، ومجلة أزهار الحرف وكل القائمين عليها، والشكر موصول لكل من سيقرأ كلماتي.
حاورها من المملكة المغربية: محمد زوهر
