شوتا غاليتسا بين السرد الروائي والإبداع الشعبي: قراءة نقدية في نشيد شوتا ورقصتها
بقلم: الأستاذ الدكتور بكر إسماعيل الكوسوفي
[email protected]
الملخص
يهدف هذا البحث إلى مقاربة ثنائية الأدب المكتوب والإبداع الشعبي في تخليد شخصية البطلة الألبانية شوتا غاليتسا، من خلال قراءة نقدية لرواية “نشيد شوتا” (حاميت غورغوري) ورقصة شوتا (درفيش غاجولي). يبرز التحليل كيف يوظّف النص الأدبي تقنيات السرد الملحمي واللغة الغنية بالصور لتشكيل خطاب جمالي ووطني في آن واحد، بينما تمثل الرقصة الشعبية أداةً للذاكرة الجماعية وحفظ الهوية الثقافية. يخلص البحث إلى أن تلاقي الأدب والفولكلور قد أسهم في تحويل شوتا إلى أيقونة وطنية تتجاوز حدود التاريخ لتصبح رمزاً متجدداً للمقاومة والكرامة الإنسانية.
المقدمة
يشكّل كتاب “نشيد شوتا” للأستاذ حاميت غورغوري علامة بارزة في الأدب الألباني المعاصر، إذ يمزج بين السرد الروائي والتاريخ الملحمي، ليجعل من شخصية البطلة الشعبية شوتا غاليتسا أيقونة أدبية ووطنية. لا يقدّم العمل مجرد قصة أو سرداً للأحداث التاريخية، بل يعيد تشكيل الذاكرة الجماعية للألبان في مرحلة حرجة من نضالهم ضد الاحتلال. من خلال لغة غنية بالحيوية والصور الواقعية، وبناء سردي يعتمد على الحوار الشعبي والأجواء القروية، يخلق الكاتب نصاً يوازن بين جماليات الأدب ووثائقية التاريخ. إن “نشيد شوتا” ليس فقط تكريماً لبطلة ألبانية، بل أيضاً إنعكاساً لروح المقاومة والكرامة الإنسانية التي تتجاوز حدود المكان والزمان.
نشيد شوتا ورقصة شوتا غاليتسا: تحليل أدبي وإثنوثقافي
تحليل نقدي أدبي
يحتل كتاب “نشيد شوتا” (حاميت غورغوري) موقعاً متميزاً في الأدب الألباني الحديث، إذ يجمع بين السرد الفني والتوثيق التاريخي ليعيد تشكيل صورة المقاومة الوطنية في أوائل القرن العشرين. فالنص لا يُقرأ باعتباره مجرد عمل روائي، بل باعتباره وثيقة أدبية ذات بعد مزدوج: من جهة، يعكس الذاكرة الجماعية للألبان من خلال شخصية البطلة شوتا غاليتسا، ومن جهة أخرى، يقدّم نصاً فنياً يستلهم جمالياته من التراث الشفوي والفولكلور الشعبي .
لقد أشار بعض الباحثين إلى أن الأدب الملحمي في البلقان، خاصة في سياق المقاومة الشعبية، يؤدي دوراً رئيساً في حفظ الهوية وتعزيز الانتماء القومي. وفي هذا الإطار، فإن “نشيد شوتا” يمثل نموذجاً لافتاً، إذ يستند إلى واقعة تاريخية حقيقية، لكنه يعيد صياغتها أدبياً بما يتيح لها أن تتجاوز حدود الوثيقة التاريخية لتصبح جزءاً من الخيال الجمعي.
وتسعى هذه الدراسة إلى مقاربة النص من ثلاثة أبعاد متكاملة:
1. السياق التاريخي والثقافي: حيث يتجلى أثر الحقبة العثمانية وما تلاها من صراعات قومية في تشكيل البنية الدلالية للنص.
2. التحليل الفني للشخصيات: مع التركيز على شوتا غاليتسا باعتبارها رمزاً للبطولة النسائية، ودرفيش غاجولي كناقل للذاكرة الشعبية.
3. البنية الأسلوبية والرمزية: من خلال دراسة اللغة، الحوار، والصور الشعرية التي يوظفها الكاتب لبناء نص يمزج بين الواقعية والملحمية.
إن أهمية هذه القراءة تكمن في إبراز كيفية اشتغال الأدب كأداة مقاومة ثقافية، وكيف استطاع النص أن يوازي بين الوظيفة الجمالية والوظيفة الوطنية. وعليه، فإن “نشيد شوتا” يستحق أن يُدرَس بوصفه نصاً أدبياً تاريخياً، لكنه أيضاً خطاباً جمالياً يرسّخ القيم القومية ويغني الأدب الألباني في آن واحد.
1. التحليل الأدبي النقدي لكتاب “نشيد شوت” – حاميت غورغوري
السياق التاريخي والأدبي
تدور أحداث الرواية في مرحلة حاسمة من التاريخ الألباني، وهي فترة الحركات المسلحة من أجل الحرية والاستقلال. لا يكتب غورغوري رواية تاريخية فحسب، بل عملاً أدبياً يدمج الواقع بالعناصر الفنية، ليُبرز أبعاداً ملحمية وغنائية. يبني الكتاب سردية تقترب من الملحمة الشعبية وتعمل كجسر بين الذاكرة التاريخية والأدب المكتوب.
الأسلوب واللغة
يعتمد الكاتب لغة شعبية غنية وحيوية، تقرّب القارئ من واقع تلك الفترة. الحوارات الأصيلة، والوصف الدقيق للحياة اليومية والطبيعة والعادات، تمنح العمل أصالة خاصة. يقارب أسلوبه الواقعية الأدبية، لكن مع حساسية ملحمية–غنائية واضحة.
بناء الشخصيات
من بين الشخصيات، يبرز درفيش غاجولي كرابصود وناقل للذاكرة الجماعية. من خلاله يُعكس وجه الشعب الألباني الذي، رغم فقره واضطهاده وأميته، نجح في الحفاظ على كرامته وهويته عبر الفن والأغنية. أما شوتا غاليتسا فتصوَّر كبطلة تتجاوز حدود زمانها لتتحول إلى أسطورة وطنية.
الموضوعات الرئيسة
• الكفاح من أجل الحرية والكرامة الوطنية.
• دور الرابصود والتراث الشفوي في حفظ الذاكرة.
• الوفاء والحب والتضحية من أجل الوطن.
• شوتا غاليتسا كرمز للمقاومة والصمود النسائي.
القيمة الأدبية والثقافية
إن”نشيد شوتا” ليس مجرد رواية، بل شهادة على تخليد أدبي لشخصية وطنية عظيمة. ينقل العمل قيماً تاريخية واجتماعية وثقافية، مما يجعل شوتا رمزاً خالداً في الأدب والذاكرة الألبانية.
2. تحليل رقصة شوتا غاليتسا – درفيش غاجولي
الأصل والظروف
الرابصودي الشعبي درفيش غاجولي، رغم فقره وظروفه الصعبة وأميته، استطاع أن يبدع 99 أغنية تناقلتها الأجيال. أما إبداعه المئة، وهو الوحيد الذي لم يكن أغنية بل رقصة، فقد خصصه لشوتا غاليتسا. هذا العمل رفع الرقصة إلى مستوى رمزي، وجعلها شكلاً مميزاً من الفن الجماعي.
الرقصة كشكل من الفن الجماعي
تحولت الرقصة إلى”نشيد شعبي”، حيث غُنِّيت ورُقصت في مناطق ألبانية عديدة. لم تكن مجرد ترفيه، بل وسيلة لحفظ الذاكرة وتعزيز التضامن الوطني. ومن خلالها أصبحت شوتا جزءاً لا يتجزأ من الثقافة الروحية الألبانية.
الرمزية
• شوتا غاليتسا تجسد البطلة التي وحَّدت الشعب حول قضية الحرية.
• الرقصة ترمز إلى النهضة والوحدة والفخر الوطني.
• الأغنية المئة، بخلاف الأخريات، تحمل بُعداً احتفائياً روحياً بالبطلة.
التأثير عبر الأجيال
انتشرت رقصة شوتا كـ”أغنية الزمن” وبقيت حية في ذاكرة أجيال عديدة. وهي دليل على قوة الفن الشعبي في التأثير على الهوية الثقافية والوطنية، وإبقاء صورة شوتا أيقونة ملهمة.
البعد الجمالي والاجتماعي
ليست رقصة شوتا مجرد عنصر فولكلوري، بل فعل مقاومة ثقافية. فهي تجمع بين الألم والفخر والفرح الجماعي، لتصبح جزءاً من التراث الروحي للشعب الألباني.
3. مقارنة بين البعدين
رواية حاميت غورغوري ورقصة درفيش غاجولي هما شكلان مختلفان لتخليد نفس الشخصية. الأولى عبر الأدب المكتوب والثانية عبر الفن الشفوي والموسيقي. ومع ذلك، يشتركان في وظيفة واحدة: تخليد صورة شوتا غاليتسا وتعزيز الهوية الوطنية.
الخاتمة
تظل شوتا غاليتسا شخصية خالدة، حاضرة في الأدب الراقي كما في الإبداع الشعبي. إن “نشيد شوتا” لحاميت غورغوري ورقصة شوتا غاليتسا لدرفيش غاجولي هما شهادتان مختلفتان تحولان البطلة إلى رمز وطني خالد. ومن خلالهما، سيتعرف الأجيال الماضية والقادمة على البطلة، ويكرمونها ويخلدونها كأيقونة للحرية الألبانية.
كاتب الدراسة:
السفير والممثل السابق لكوسوفا لدى بعض الدول العربية
عضو مجمع اللغة العربية – مراسل في مصر
عضو اتحاد الكتاب في كوسوفا ومصر
E-mail: [email protected]