قراءة في الأبعاد النفسية والسردية لنص (وسن) للكاتبة أميرة الحوار بقلم -منار السماك
(وسن)
هو عنوان مشحون بالمعنى والرمز الوسن هو بداية النوم أو ثقله وغشائه الذي يأخذ بالعينين وهو بين الإدراك والتبلد، وهذا بالضبط ما تعيشه البطلة في النص تعلقٌ شعوري بين الحلم والخذلان بين الترقب والانطفاء.
بدايةً:
في نص -وسن -تكتب الكاتبة السعودية أميرة الحوار نصًا سرديًا نفسيًا عاطفيًا عالي الحساسية، يمزج بين الشاعرية والتأمل، وبين الألم والوعي، لتصوغ لنا تجربة أنثى تائهة في زواج صامت، حيث لا وجود للحب، ولا مساحة للكلام، ولا حتى لأبسط أشكال الاحتواء.
تجربة تُحكى لا بأحداث خارجية، بل بأحاسيس تتدفق عبر مونولوج داخلي فتتحول اللغة إلى مأوى للألم، والفن إلى صوتٍ بديل عن الكلام.
الأسلوب السردي
1. ضمير المتكلم – صوت الذات:
النص محكي بضمير أنا مما يضع القارئ داخل عالم البطلة، يشاركها غربتها حيرتها، شكوكها، ووجعها.
هو صوتٌ أنثوي صادق، يشبه البوح، ويقترب من الاعترافات الداخلية العميقة.
2. المونولوج الداخلي / السرد النفسي:
لا نجد أحداثًا واضحة، بل تدفقًا داخليًا للأفكار والمشاعر النص يتنقل بين لحظة شعورية وأخرى، بين ذكرى وصورة، بين تأمل في المرآة وتأمل في الفراغ العاطفي.
هذا الأسلوب يعكس التمزق النفسي الداخلي للبطلة، وحالة التيه واللااستقرار العاطفي، ورغبتها في الفهم لا في السرد الخارجي.
3. الزمن غير الخطي – وعي الذات:
لا يسير الزمن بطريقة تقليدية بل ننتقل من الحاضر إلى الذكرى، ومن التفكير في الزوج إلى استحضار نصائح الأم، ثم إلى الرسم، ثم الاستيقاظ.
هذا يُجسد أسلوب تيار الوعي والذي يُستخدم عادة لتجسيد الحياة النفسية الداخلية.
العامل النفسي للمرأة في النص
1. الاغتراب العاطفي:
تعيش البطلة مع زوجها في بيت واحد، لكن بلا حوار، بلا حنان، بلا حياة.
يفضل الصمت على تبادل أطراف الحديث بيننا
الصمت هنا عدوٌّ خفي، يقتل الشعور، ويصنع جدرانًا بين الجسدين.
2. الضغط النفسي الثقافي:
تحاول البطلة التمسك بالنصائح التقليدية:
زوجك هو طفلك الكبير يا ابنتي
لكنها لا تجد في تلك الوصايا حلاً حقيقيًا، مما يُبرز صراعًا داخليًا بين ما تربت عليه، وما تشعر به
3. الصورة الجسدية:
تتأمل البطلة جسدها وتلاحظ بقاء الجاذبية، رغم آثار الحمل:
فما زال قوامي جذابًا، وأنوثتي مكتملة، سوى من بعض تشققات جلد بطني…
هذا المشهد يُبرز وعيها بذاتها كامرأة جميلة وأمّ مُرهقة في آنٍ معًا إنه تأكيد على أن معاناتها ليست بسبب فقدان الأنوثة، بل بسبب فقدان التقدير.
4. الفن كمهرب نفسي:
حين تعجز عن التعبير بالكلام، تلجأ للرسم والكتابة واللون كبديل عن الحوار المفقود:
فرشتي فامتدت ألوانُها لتصبغَ جاكيتي الأبيض، ويدي.
الفن هنا ليس ترفًا، بل صرخة صامتة تُحاول من خلالها أن توجد، أن تُرى، أن تُفهم.
اللغة والأسلوب
1. اللغة الشاعرية:
النص مليء بصورٍ مجازية، وتشبيهات، واستعارات تجعل اللغة أقرب إلى الشعر منها إلى السرد التقليدي:
كمن يُحدقُ بداخله، بروح طفلٍ لا يعرفُ للغلَ والحقدِ مكان
تُعطي هذه اللغة للنص بعدًا وجدانيًا عميقًا، وتُعبر عن المعاناة الداخلية دون ضجيج.
2. التكرار الرمزي:
الصمت: يرمز إلى اللامبالاة والاغتراب العاطفي والانفصال العميق بين الزوجين.
الهاتف المحمول: يدل على انشغال الزوج عن الآخر، وغرقه في عالم افتراضي بارد، ما يزيد من فجوة التواصل.
المرآة: تمثل تأمل الذات واستدعاء الأنوثة، تعكس وعي المرأة بجسدها وهويتها.
الفرشاة والورق: تعبران عن البوح والصرخة الصامتة، ومحاولة النجاة من خلال الفن كمهرب نفسي ووسيلة تعبير بديلة عن الكلام.
ينتهي النص بجملة:
بحثت عنه لكني لم أجده.
وهي نهاية مفتوحة تمتلئ بالدلالات:
• هل رحل؟
• هل استيقظت البطلة من وهم انتظار التغيير؟
• أم أنها اختارت الرحيل هي هذه المرة؟
إنها نهاية تحمل صمتًا أعلى من الكلام، وتعكس لحظة صحوة أو انكسار لا يُقال بصوت مرتفع، بل يُفهم من الغياب.
اخيراً
نص وسن للكاتبة أميرة الحوار هو نص وجداني عميق، يجمع بين التأمل، الألم، والتحليل الداخلي.
تُجسد فيه الكاتبة معاناة المرأة في مجتمع يتوقع منها الصبر دون أن يمد لها يدًا من الفهم.
تكتب الكاتبة عن الحب الغائب، عن الأنوثة المتروكة، عن الأمل الذي يتحول إلى فن وعن المرأة التي تتأمل، تُفكر، ثم تنهض.
نص صامت لكنه يصرخ، ناعم لكنه موجع، بسيط لكنه مشحون بالأسئلة والرموز.
بهذا الأسلوب الرقيق والنافذ، تؤكد الكاتبة أنها تكتب ليس لتسرد، بل لتُضيء زوايا معتمة من الروح الأنثوية المعاصرة
___
وَسنٌ
ظلتْ صامتةً كمن يُحدّقُ بداخله،بروح طفلٍ,لا يعرفُ للغلِّ والحقدِ مكانٌ،أحبّتْ الحزنَ إذ تجلّتْ فيه عظمةُ خالقِها، تحظى بسعادةٍ غير مكتملةٍ، إذ ترى الأبوابَ تقفلُ بوجهها، فكلما اقفلَ بابًا لجأتْ لآخر، أصبح كوكبَ الأرضِ ومجراته, مجرد مأوى لآلامها، واضعةٌ رأسها بين ركبتيها حينًا، مسترقةٌ النظراتِ له حين آخرى، وهو مازال متوسداً صمته ومخدته تشهدُ بأنها لم تعرفْ للدموع طريقاً، هل يستطيعُ النوم حقاً؟ قالتها باستغرابٍ وتابعتْ الحديثَ مع ذاتِها :
-لم أيأس يومًا في مقدرتي على تغييره ، فكلما احبطتُ فكرتُ بنصائح أمي،تذكرتُها وهي تقول :
– زوجكِ هو طفلكِ الكبير ياابنتي ،أغدقي عليه من اهتمامكِ وحبكِ،هو لن يطيق هذيانكِ الممزوج بالعنادِ.
الصمتُ والخوارُ كالمتاريسِ تمتزج معاً لتخنقني: هل أحبني عادلُ يوماً، أم أن قرابتنا هي من صيرتهُ لي زوجا؟
كنتُ أرى صورتَه بجانب سرير هدى صديقتي فأذوب شوقاً لحبٍّ بركاني
عدتُ أتأملُ نفسي في المرآةِ وضعتُ يديّ على خصري ابتسمتُ فمازال قوامي جذاباً، وأنوثتي مكتملةٌ، سوى من بعض تشققات جلد بطني التي أرهقها الحمل لخمسِ مراتٍ متتالية
فكرتُ في شيء أجدبُ به اهتمامه ,وأحظى من خلاله, بتدفق مشاعره دونما كلامٍ, فهو قلما يتحدثُ معي، ويفضلُ الصمتَ على تبادلِ أطرافَ الحديثِ بيننا، هو مشغول بهاتفه المحمول طوال الوقتِ،لا أدرى هل كان خطأ ما قمتُ به من اشعالِ نيران الغيرةِ في قلبه الليلة، والتشاجرَ معه حول صمتِه المطبق إلا من صوتِ شاشةِ هاتفه الخلوي؟
وشائجُ خفيةٌ تجاوزتُ بها الزمانَ والمكانَ, وضاعتْ من خلاله أحلامي وآمالي، فكيف لي بممارسة هوايتي, في جو ٍّخانقٍ خالٍ من الحياةِ.
امتدتْ يديّ لمجموعةٍ من الأوراقِ والألوانِ، دونتُ أحلامي الزائفةَ بالحبِّ والدفء، أما فرشتي فامتدتْ ألوانُها لتصبغَ جاكيتي الأبيض, ويدي.
نهض عادل من نومه متثاقلا، تأمّلَ ما خطته يدي، شاهدَ لوحَتي, ورمقني بنظرةٍ خاطفةٍ ،ارتدتْ نظراتُه للورقِ،تابع صمتَهُ الذي يزيد من كبريائي وعنادي وجنوني.
بقتْ دغدغة غشاوة النوم في عيني، فقتُ من غفوتي، تأملتُ المكانَ، بحثت ُعنه لكني لم أجده.