معرض القاهرة الدولي للكتاب في اليوم الأول 2022م:
ذهبت في اليوم الأول مبكرًا إلى معرض القاهرة الدولي للكتاب، بدا النظام واضحا منذ البداية: السيارات التي تعدها الدولة في مراكزها المحددة، ركبت ووجدت من بجانبي يسلم علي بالاسم، نظرت له فلم أتبين ملامحه لأنه كان يرتدي الكمامة، كان من حسن حظي أن أجالس الشاعر والصحفي المميز، الشاعر ناصر رمضان دار بيننا حوار ممتع، حتى أني لم أصدق أننا وصلنا بهذه السرعة رغم طول الطريق، وبدا لي أنه مثقف كبير، وقارئ حقيقي، تحدثنا حول الواقع الثقافي وكثرة ما فيه من آفات، أهمها الأنانية وافتقاد الرسالة ، وحول العلم وأهم رموزه في مجال تخصصنا، أفردنا معًا أحمد الحوفي بمكانة خاصة لرسوخ قدمه في ما كتبه رغم أنه يمثل مرحلة تاريخية، وأعلام آخرين مثل أحمد بدوي وغيرهم مما جر إليهم الحديث بالمصادفة، كما تحدثنا عن معالم مصر القديمة التي نمر عليها في الطريق الطويل، والتي تمثل هويتنا، وكيف أنها تبعث في الدماء الحنين إلى الأمجاد والماضي العظيم. تحدثنا أيضًا عن الشعر وأسمعته بعضًا من شعري الذي أعجب به، وقد قلت رغم أني شاعر وناقد، ولكن الساحة مليئة بالشعراء اليوم ونادرًا ما تجد ناقدًا حقيقيًا، خاصة الشاعر الناقد، لذا أحمل نفسي الكثير من المسؤولية في هذا المجال، لأحقق التوازن، قال لي : صدقت، تكلمنا أيضًا عن الهدف من الذهاب إلى معرض الكتاب، واتفقنا أن لدينا من الكتب ما يحتاج إلى أضعاف أعمارنا، وقد رأى أن الفائدة الكبرى هي رؤية الأصدقاء والأحباب، وافقته بينما كنت أقول في نفسي (أما أنا فمؤمن بالمثل الذي يقول: “يموت الزمَّار وإيده بتلعب”😂) يعني سأشتري كتبًا حتى لو كان آخر يوم في حياتي أما الأصدقاء فهم متاحون في الندوات والمقاهي ليل نهار😂، ليس المهم المال ولا الشهرة، المهم المتعة، وفي الكتب متعة لا تقدر بثمن، لكن لمن يُلهَم شراء كتاب، وأقول (يلهَم) لأن المعروض من الكتب والمغري منها لا يحصى ولا يعد، ولكن الله يلهمك إلى الوقوع على ما تحب، الله ينتقي لك، إذا كان بينك وبينه صلة، وهكذا اختار الله لي الكثير، كنت أحمل ما يقارب الأربعين كتابًا (لن أذهب مرة أخرى إلى هذا المكان اللعين😂)، وعلى سبيل المثال وقعت على كتاب “دلالة ألفاظ القرآن في توضيح معانيه” للدكتور مجدي إبراهيم السيد إسماعيل، وهو كتاب فريد من نوعه يحاول تفسير المفردة في كل آية بتردداتها المختلفة في باقي السور، وأعتقد أنه فرع من فروع تفسير القرآن بالقرآن، ولكنه فرع فني، الكتاب في 12 مجلدًا، ولكن استغربت أنه تجاوز الفاتحة، كما أنه وقف عند سورة الكهف، لا أعرف إن كان على قيد الحياة، وإن كان ما زال يستكمل مشروعه الذي توقف في عام 2017 وفق آخر جزء، ولاحظت أن الربط بين الآيات موجز جدًا رغم ضخامة الكتاب. الكتاب من إصدار دار الفكر العربي وربما بقيت منه نسخة على ما أذكر. اشتريت أيضًا لزوجتي كتابا ألحت عليه “قناديل الصلاة” لكاتب مغربي فريد اسمه فريد الأنصاري. ومما اشتريته أيضا كتاب بعنوان “دلائل التوحيد في القرآن المجيد- تفسير موضوعي” للدكتور أمين يوسف متولي الدميري، وأحيانًا أشتري الكتاب إذا وجدت فيه جملة واحدة فارقة، وكانت هي حديثه عن الألوهية: “… وإذا أفردت الله وحده لا شريك له كانت هي توحيد الألوهية أو توحيد العبادة أو توحيد القلب والعقل أي سجود العقل” حينما قرأت هذه العبارة اقشعر بدني وسجد كل ما فيَّ، وعليها بنيت منشوري السابق (في جوهر علاقة العقل بالله) اشتريت كتبًا أخرى كثيرة، ولحقت بسور الأزبكية، بعض الكتب رخيص، وبعضها مرتفع الثمن جدا؛ هناك ولد من الإسكندرية طويل القامة مكفهر الوجه، أعرفه جيدًا من قديم، هذا الولد يستحق أن يحرق في ميدان عام😂، يبيع الكتاب القديم بثلاثة أضعاف سعره إن كان حديثًا، أغلب الظن أن هذا الولد لا يحب بيع الكتب، وأنه يتعبد الكتب ليل نهار في معتكف خاص، ويأتي فقط ليمارس نشوته الطقوسية، التقيت عنده صديقًا آخر شاعرًا وهو صديق عزيز، لا داعي لذكر اسمه، ولكنه فر هاربًا حينما عرف الأسعار😂 ولم يجد معه نداء عمال البائع الصغار. كل شيء في المعرض منظم جدًا بشكل يبدو أوربيًا ما يعني ضرورة توجيه الشكر للمسؤولين، ولكن إذا لم تحجر إليكترونيًا فستقف في ثلاثة صفوف: مرة للدفع بنظام فوري، ومرة في طابور آخر للتوثيق أو التسجيل بنظام رسالة على رقم تليفونك واستلام ورقة تدخل بها، ومرة في طابور الدخول، وهذا عناء كبير.
البرد هناك في هذه البيئة الصحراوية لا يوصف، لا أعتقد أني رأيت بردًا كهذا، يخيل إلي أن وحوش الصحراء تنقض عليك في صورة مسامير وحشية تخترق كل ثيابك، لذا من المهم مراعاة اصطحاب ملابس ثقيلة، وبطانية احتياطي😂.
في النهاية إذا لم يكن معك سيارة، عليك أن تغادر قبل الميعاد الرسمي بقليل حتى تجد نفس السيارة التي نقلتك صباحًا تنتظرك في المساء، وإلا فستتعرض لإهمال بعض السائقين في الالتزام، وسترمى في صحراء جرداء، وساعتها لن تجدي معك بطانية واحدة 😂.
أعجبني كل شيء في المعرض باستثناء بعض هذه الملاحظات، كما أعجبني العنوان: “هوية مصر- الثقافة وسؤال المستقبل” رغم أني لم يعجبني العنوان المركب، وكأنما وضعه أحد بيد مرتشعة، خشية تفرع الموضوع، ويمكن أن يكون كل عنوان خاصًا بمعرض وحده، وهو عنوان كفيل بأن ينقلنا نقلة حضارية كبرى لو تم الاشتغال عليه كما ينبغي أن يكون، ومن هنا لم يكن من فراغ أن أجعل الهوية الفصل الأول من رسالتي عن الإسهام العربي في بناء منهج لتحليل النص الشعري، لأنه لا أمة بلا هوية، ولا هوية بلا حضارة وتاريخ وشعب وإنجاز، غير أني لم يعجبني ضيوف الندوة التي ناقشت هذا الموضوع ، فقد لاحظت أن أغلبهم بلا هوية، يلعبون على كل الحبال في كل الأوقات ويفتقدون المصداقية، وفاقد الشيء لا يعطيه، ويمكن أن يقولوا غدًا عكس ما يقولونه اليوم، إن دارت المصلحة. ويبدو أنهم يتحدثون من منطق المجاملة، ولكن لا بأس من بعض هذه الملاحظات وسط هذا الجهد العملاق الذي توفره الدولة للمواطنين والناشرين من كل مكان وبلد عربي شقيق.
كان رصيدي من كتب التخصص: الشعر والنقد صفرًا هذا العام، لأني أشتري بمنهجية، ومنهجي هذا العام استكمال جوانب النقص في مكتبتي وفي بنائي العقلي، وفيها من كتب التخصص ما يكفي لمائتي عام من القراءة والكتابة والإبداع. وهنا لابد من ملاحظة أن وقتك الحقيقي في القراءة والكتابة، وعلمك الحقيقي وإبداعك الحقيقي هو ما يلهمك الله إياه، وليس ما تحصله أنت. فكثيرون يشترون ويقرأون ويبدعون لكن قليلون جدًا من يُلهَمون الإلهام الحقيقي. وتلك هي نصيحتي لك إذا كنت تبحث عن الإلهام الحقيقي والتميز الحقيقي في ضوء عمر قصير مهما طال.
الشكر للدولة ولكل القائمين على معرض الكتاب، ولكل أصدقائي الذين التقيتهم، ولجمهور القراء الذي يعد حضورهم جيدًا جدا بالنسبة لليوم الأول ولظروف الطقس الاستثنائية، ولأرواح العلماء الذين مررت عليهم يتوهجون فوق كتبهم بنبض العلم والخلود.
عزيزة ابن طالب /إصرار
وحين تصر علىمداعبة أحلاميحين تترددعلى عالميتحاول جاهداأن تبدد الصمتحولي. ،تلح لكي تخترقنبضات قلبيأن تجريبشرياني. ،.. لا تتوانىفي أن تفقدنيصوابي ،عقلي....
اقرأ المزيد
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي