حكاية صمت
… أنا الصمت، أنا الصديق الأخرس الأناني، أسمعُ ولا أجيب. لكنني عالمٌ جميلٌ عميقٌ لا يفهمُه إلّا من تعمّق بي ودار َ في دوّامتي.
تشتمني وتلومني وتذمني وتنعتني بأحقر الكلمات.
لكن دعني أسألك.. هل شعرْتَ يومًا بنبضات الحروف التي يقولها اللسان دون النطق بها؟
هل سمعْتَ أنين الشوق عندما كانت الشفاه صامتة؟
هل رأيتَ وجعَ أخرس مبتور اليديْن دخل هَدَب في عينه؟
أنا..
في أعماقي بركانٌ هائجٌ من الحروف تتسابق وتتنافس لتقف على عتباتِ اللسان فتعجزُ عن النطق.
تأملْتُ الألمَ والأنين والوجع والصراخ، تذوقْتُ مُرَّ الحديث وسكرَه، سمعْتُ رحيلَ الحبيبِ والصّديقِ.
فأنا يا سيدي.. تربيْتُ على الهدوء، وسكنْتُ النفسَ لأطمأنها لا لأبعثرها.
يا كلام.. شهدْتَ زورًا بأنني أصنعُ بسمةً مزيفةً كاذبةً أخدعُ بها الجميع وأخدعُ بها نفسي.
قلْ ما تشاء وزوّرْ ما تشاء.. فلغةُ قلمي لا تكذبُ.
أنا لغةٌ صادقةٌ بلا أبجدية، تغني عن فئات الكلمات، تخبرُكَ بأن الحروف قد تخون أحيانًا.
أنسيت أنني برزخُ دنياك الفاصل بين يوميات الحياة واتخاذ قرارك الصّعب، وكنت كلامَك الموزون في المواقف الصعبة.
كم مرّةً تاهت حروفَك واختفت ،فتطايرت الأوراق وانكسرت الأقلام، فكنتُ عكازتَك الوحيدة.
فأنا باقةٌ من الأحاديث لا يعرفُ اللسان كيف يرتبها وينطقها سويًا.
وقف الكلام على حافتيَّ فانتهى. لي هيبةٌ تدركها جيدًا في حضرة ما لا يستحق الكلام، فمن رحمي تولد أطفالَ حكاياتٍ وذكرياتٍ شوهها الكلام المزيف.
لا تتأتئ حروفَك الغليظة إلّا إذا كانت خيرًا مني.
الصمت جميلٌ فهو كلامٌ في حد ذاته، كلامٌ تهمس به النفس بلا صوت ولا حركة.
حياةٌ خالية من الكلام، ينبض فيها سكون الصمت، خيرٌ من حياةٍ يعجز فيها اللسان عن قول الحق.
الأديبة حنين العيساوي
الفنانة التشكيلية المغربية هناء ميكو لمجلة أزهار الحرف حاورتها من لبنان جميلة بندر
هناء ميكو، فنانة تشكيلية وشاعرة مغربية، وُلدت في مدينة مكناس.حصلت على دبلوم المدرسة العليا للفنون الجميلة بالدار البيضاء. تخصص فن...
اقرأ المزيد
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي