دلال صماري: أستاذة جامعية، فنانة تشكيلية وناقدة
عضو ملتقى الشعراء العرب
حاصلة على شهادة تقني سامي اختصاص خزف فني حائطي ، شهادة الأستاذية في الفنون التشكيلية اختصاص خزف فني، الماجستير في الجماليات وتقنيات الفنون من المعهد العالي للفنون والحرف بقابس وشهادة الدكتوراه في علوم وتقنيات الفنون من المعهد العالي للفنون الجميلة في تونس. درست في المعهد العالي للفنون والحرف بتطاوين والمعهد العالي للفنون والحرف بسليانة.
لديها العديد من المداخلات والمقالات العلمية المحكمة كما كتبت العديد من المقالات النقدية والدراسات والقراءات في العديد من الصحف والمجلات العربية وكاتالوغات الفنانين والمواقع الالكترونية المختصة في الكتابة الفنية.
نظمت العديد من الأنشطة العلمية والفنية كالمعارض والملتقيات الفنية والندوات العلمية، لديها العديد من المعارض الفنية الفردية وشاركت في العديد من المعارض الجماعية والملتقيات الفنية والندوات العلمية المحلية والدولية، كما قامت بتحكيم العديد من المسابقات الفنية داخل تونس وخارجها.
من هنا كان لمجلة أزهار الحرف أن تحاورها وتتعرف على مشوارها الفني
حاورتها من لبنان
ملاك علي
- * *
١-لديك حسّ النقد ، هل فكرتِ يوماً بكتابة كتابٍ نقدي يضم اهتمامك و جانبك النقدي؟
الحس النقدي لدي لم يكن صدفة أو رهين حالة أو وضعية معينة هو نتيجة شغف في ميدان الفنون منذ الصغر، نما شيئا فشيئا داخل أسوار جامعة الفنون ونضج بالقراءة ثم تبلور من خلال حضور الملتقيات والمعارض ليتجلى من خلال مقالات علمية وقراءات ودراسات فنية وندوات علمية وحلقات نقاش، حتى أنه لدي مادة يمكن أن تكون أكثر من كتاب، وهذا ما أعمل عليه الآن في هذه الفترة، ثم سأحاول مستقبلا تحديد مباحث متنوعة أحاول من خلالها طرح إشكاليات راهنة تهم حاضر الفنون ومستقبلها بتعمق شديد لتصدر على شكل كتب تكون فاعلة في هذا الاختصاص، لأن الكتابة لمجرد الكتابة أو الظهور أو الاستعراض أمر لا يعنيني مطلقا، لهذا تأخر صدور كتابي الأول. عملت بجهد كبير لسنوات طويلة لأتمكن من امتلاك أدوات وآليات الكتابة العلمية والنقدية لأني أعتبرها أمانة لا يمكن بأي حال من الأحوال استسهالها أو العبث من خلالها، ولعل ما يصدر من كتب اليوم خير دليل على ذلك، حيث لم تؤثر ولم يكن لها صدى. صدرت فقط لترضي غرور أصحابها أو لتحقيق ترقية أو ربح مادي، نحن اليوم بحاجة ماسة إلى كتابة نقدية ملتزمة وجادة.
٢-الظروف تغيرت و تشعبت حتى اختصرت الكثير من المجالات و تقلص البعض منها بسبب التكنولوجيا، في عصرنا الحاضر كم ترين كناقدة أن المواهب مظلومة في ظل هذه الظاهرة؟
نحن نعيش في عصر التكنولوجيا حتى أنها طفرة تكنولوجية وتعتبر من أهم إنجازات الإنسان في هذه الفترة الزمنية، وبالتالي لا يمكن فصل هذا العامل عما نعيشه اليوم في جميع الميادين والاختصاصات، لذلك يجب على المواهب أن تحسن توظيف هذا الإنجاز لخدمة مواهبها والإبداع من خلاله وجعله أداة من أدوات الفعل والإنتاج لفتح مجالات أوسع وأرحب لتعدد الأساليب والآليات وبالتالي جعل استعمالات التكنولوجيا مفيدة وداعمة لما نقوم به، حيث لا يمكن أن ننفصل عما يحدث حولنا في هذا العالم الذي أصبح اليوم أكثر انفتاحا على بعضه البعض حتى أنه أصبح ينعت بالقرية الصغيرة التي ألغيت من خلالها كل المسافات والفواصل.
أنا دائما أنظر إلى نصف الكأس الممتلئ بحيث أنحاز إلى تثمين كل إنجازات العقل البشري والانخراط فيها مع تجنب سلبياتها بطبيعة الحال.
٣- حدثينا عن مشوارك الفني ؟
لطالما كان الفن سلوكا يوميا أتعايش معه كإحدى أدوات التعبير والتصعيد منذ أن كنت تلميذة بداية بتلك الرسومات التي كانت ترافق كراس المحفوظات، حيث أذكر مرة أنني رسمت وجه أبي القاسم الشابي بجانب قصيدته لحن الحياة وقد لاقت استحسان المعلم الذي علق قائلا تريدين أن تصبحي بيكاسو؟ ثم استمريت خلال المرحلة الثانوية من خلال تلك الخربشات فوق الكراريس وأوراق الرسم وصولا إلى حصص الرسم التي كانت المادة الأقرب إلى قلبي حيث اكتشفت التقنيات والأساليب الفنية، وعند دخولي إلى الجامعة أصبح الأمر أكثر عمقا حيث كنت دائمة السعي إلى التفكير من خلال تماريني ومشاريعي وكنت أميل إلى القراءة، قراءة دروس الجماليات وتاريخ الفن وفلسفة الفن وأيقنت مبكرا ضرورة الربط بين الحصص النظرية والحصص التطبيقية، ونجحت في هذا وهذا ما شجعني على مواصلة دراسة ماجستير بحث في جماليات وتقنيات الفنون حيث دخلت غمار العرض مع أساتذتي في البداية ثم انطلقت في خوض تجربتي الخاصة مستعينة ببحوثي التي قمت بها في الماجستير من ثم الدكتوراه حيث تبلور أسلوبي وأصبح لدي خلفيات فلسفية وفكرية أنتج من خلالها أعمالي الفنية التي عرضت داخل تونس وخارجها وشاركت في العديد من الملتقيات حيث مررت بالعديد من التجارب و حصل احتكاك بيني و بين مختلف دول العالم مما أكسبني المزيد من النضج الفكري والتقني.
تأسست تجربتي الفنية والتي أسعى كل يوم إلى توسيعها بالمعارف التقنية والقراءة على الخامات البيئية بحثا وممارسة حيث طرحت العديد من الإشكاليات المتعلقة بها وأنجزت العديد من الأعمال والمعارض للاحتفاء بها وبقدراتها على ترجمة هموم الكائن وأحلامه وتحدياته… لما تكتنزه داخلها من طاقات هائلة يمكن تطويعها لمعالجة العديد من الإشكاليات الفنية الحديثة والمعاصرة.
٤-اليوم يعترينا ضياع طلابي كطالبة جامعية في السنوات الأولى ، كدكتورة جامعية لماذا يستعمرنا هذا الضياع ؟ و ما الخطوات التي يجب على كل طالب مقبل على الجامعة اتباعها؟.
مرحلة الضياع يمكن ان تعتري الطالب في سنته الأولى وهذا أمر صحي فالفرق بين التعليم الثانوي والجامعي بين شاسع بداية بالمناهج وتوقيت الدروس وتقسيمها بين نظري وتطبيقي وصولا إلى الاندماج مع معارف وصداقات جديدة في وسط جامعي جديد أيضا العلاقات مع الإدارة والأساتذة كلها أشياء جديدة بالنسبة لطالب جامعي في بداية المشوار، لكن لا يجب أن تستمر هذه الحالة مطولا لأن الطالب اليوم حسب رأيي مطالب بالتركيز في تكوينه العلمي داخل أسوار الجامعة ولكنه مطالب أكثر بمواصلة هذا التكوين حتى خارج أسوار الجامعة التي تقدم الضروري واللازم ولكن على الطالب اليوم أن يعي جيدا أن عليه مواصلة العمل على تكوينه ونحت ذاته وكيانه خارج أسوار الجامعة، خاصة مع التطور التقني والتكنولوجي ودور الانترنت الفعال في توفير الإضافة والدعم من خلال دروس ودورات تكوينية…هذا بالإضافة إلى التربصات المهنية التي تعطي للطالب فكرة أوضح وأكثر واقعية حول اختصاصه، ومن هنا نفهم أن الطالب يجب أن يبحث عما ينقصه داخل وخارج الجامعة وهذا ما يجعل الفرق واضح بين طالب وآخر.
٥-الفن يحب الحرية ، هل سُلِّبت حريتك الفنية ؟
لا يمكن لفنان حقيقي أن تسلب حريته لأن الفن هو لغة رامزة يمكن للفنان أن يبث فيها رسائله بأساليب تعبير مختلفة و لكل فنان أدواته الخاصة، حتى أنه يمكنك أن تبحث عن حريتك في الفن بما يفسح ويفتح لك المجال للتعبير والنقد والاعتراض دون حدود أو حواجز، ولطالما حمل الفن التشكيلي على أكتافه أعظم القضايا الإنسانية، …وعبر عنها بعمق.
٦-تهتمين بالمبتدئين ، هل سبق وعانيت في بداية مشوارك الفني؟
انا أستاذة مساعدة في التعليم العالي أقدم كل أشكال الدعم والإحاطة لطلبتي وخاصة منهم الموهوبين والذين لديهم رغبة كبيرة في احتراف الفن حيث أواصل متابعتهم خارج أسوار الجامعة ولا أتوانى أبدا في تقديم يد المساعدة أو الاستشارة أو التشجيع فأن تكون أستاذا وفنانا في نفس الوقت يجعلك أمام مسؤولية مزدوجة التعليم واكتشاف المواهب ودعمها.
معاناتي في بداية مشواري الفني لم تكن سوى معاناة مادية فاحتراف الفنون التشكيلية ليس بالأمر الهين أمام غلاء أسعار المواد الأولية أولا ثم غياب سوق فنية بمفهومها المنظم بحيث يجد الفنان صعوبة كبيرة في تسويق منتجه الفني ويجد نفسه في كثير من الأحيان أمام صعوبات مادية كبيرة تقف حائلا بينه وبين الإبداع. ولكن مع الصبر والبحث عن سبل وأدوات وآليات بديلة تمكنت من تجاوز أغلب هذه الصعوبات.
٧-حدثينا عن الملتقيات التي شاركت بها ، لا سيما ملتقى الشعراء العرب الذي أسسه الشاعر ناصر رمضان عبد الحميد؟
شاركت في العديد من الملتقيات الفنية داخل تونس وخارجها وكان هدفي لقاء تجارب مختلفة بثقافات وأفكار وأساليب مختلفة لتطوير تجربتي وذائقتي الفنية، كما أن هذه الملتقيات تفتح المجال للحوار والحديث وتبادل الأفكار وهذا أمر رائع، بالنسبة للشعر أنا من الأشخاص الذين يحبون الشعر كثيرا ويلهمني حتى للرسم وأحس أن العلاقة بين الرسم والشعر أزلية وستظل. لم أشارك في ملتقى الشعراء العرب الذي نظمه الشاعر والصديق المبدع ناصر رمضان عبد الحميد ولكني كنت متابعة وفية حيث استمتعت بروائع المشاركين وحساسيتهم المرهفة تجاه الكلمة حيث رسموا بالكلمات أرقى أنواع التعابير الفنية، أتمنى لهذا الملتقى التواصل ولم لا؟ في المرة المقبلة تكون هناك فقرة تجمع الرسامين بالشعراء في عمل فني مشترك في إطار انفتاح الفنون على بعضها البعض.
٨-غربة الوطن هي الابتعاد عن الوطن الأم ، متى يشعر الفنان أنه بغربة فنية؟
يشعر الفنان أنه بغربة فنية عندما لا تتوفر الإمكانيات المادية واللوجستية للإبداع، عندما لا تنخرط الدولة التي يعيش فيها في مجال الاستثمار في الفنون، عندما يعيش الفنان في دولة يكون فيها الفن رجل الكرسي الرابعة، يغترب الفنان عندما يعيش في وطن تغيب فيه قاعات العرض والمتاحف وسوق فنية تحمل منتجه الفني على محمل الجد، يغترب الفنان عندما لا تكون هناك مؤسسات تدعمه…. لكنه يعود للحياة عندما تطأ قدماه ورشته ويعانق المادة ويبدأ بالولادة. نحن الفنانون كائنات تحيا بالفن وإن سجنت أعمالنا داخل ورشاتنا نحن نحيا بالفن حتى لا تميتنا الحقيقة.
نحن نقاوم بالفن
وليحيا الفن….
د. دلال صماري
أستاذة جامعية باحثة، فنانة تشكيلية، وناقدة تونسية
متحصلة على ماجستير بحث في جماليات وتقنيات الفنون
ودكتوراه في علوم وتقنيات الفنون
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي