أبا الطيب المتنبي : شكوى منك وإليك ،
لأنك انت القائل :
“”””””””””””””””””””””””””””””””””””””
لم يترك الدهر من قلبي ولا كبدي
شيئا تتيمه عين و لا جيد
ياساقيي ، أخمر في كؤوسكما ؟
أم في كؤؤسكما هم وتسهيد؟
أصخرة أنا ؟ ما لي لا تحركني ؟!
هذي المدام ولا هذي الأغاريد
إذا أردت كميت الخمر صافية
وجدتها وحبيب النفس مفقود
ماذا لقيت من الدنيا ؟ ! وأعجبه
أني، بما أنا شاك منه ، محسود ——————————————-
شاعرنا الكبير وملهمنا العظيم : ماقرأت مرة هذه الأبيات الفريدة إلا وكانت قامتك الشعربة العالية تنتصب امام عيني ، فاحس بعظمتها ، واحس بأن وقع كلماتك تدق ابواب زماننا هذا ، وكأنك تكتب قصائدك للخلود . اماالحزن الجلل الذي يسيل من أبياتك غزيرا متدفقا ، فلايمكن لقارئ حصيف أن يمر عليه سريعا : ترى اي نوع من الأسى تواجه ؟ إلى درجة أنك لا تتأثر بكل متع الدنيا ، كانك الصخر . وذلك يعني أن حزنك من نوع آخر ، هو حزن ذوي الأهداف العظيمة الذين لم يصلوا إليها ، لأن عقبات كبيرة حالت دونها ، ويعني هذا أنه حزن عظيم كعظمة مطامحك . شموخك وعلو همتك ورفعة أمنياتك ، تحفر في نفوسنا خنادق من الشعور الحاد بالتقصير ، إلى درجة نشعر فيها كأننا لسنا أحفادك ، ولسنا منك ، ولست منا . ومع ذلك لامفر من الاعتراف انك مثلنا الأعلى ، وان جل مانطمح إليه ان نحقق بعضا من مبادئك وأهدافك ، ولكن ،حتى بعضها فقط ، يكاد يكون حلما بعيدا جدا .
دهرك الذي شكوت منه بمرارة كان بداية الانهيار ، أنت لم تترك فرصة إلا وهاجمته ، بل حاربته بالسيف والكلمة الرصاصة . لكن ماذا لو شهدت دهرنا هذا يا ابا الطيب … فلا تتوقعن حدود رد فعلك العنيف على سواده ، وانهيار قيمه ، وغياب كل شيء كنت حلمت به .
انت امامك متع الحياة الأعلى والاغلى ، المرأة الجميلة ، والخمرة المعتقة ، مع وصلة من الموسيقا والغناء .. ولكنك لاتشعر بالكأس التي يناولك إياها الساقيان . ولا تجلب لك الا الأرق . متعتك الحقيقية شيء آخر ، شيء لاتعشقه الا النفوس العظيمة … هو المجد ، مجد الكلمة ومجد السيف .
ونحن أحفادك التعساء لو حصلنا على جزء يسير مما رفضته لكنا في منتهى السعادة .
نعم ماتشكو منه نحسدك عليه ، هو أمنية لنا يصعب تحقيقها . نحسدك ، لأننا في وضع بائس ، خال مما هو متوافر أمامك ، نعيش قهرا متواصلا ، ونعاني انهيارا في القيم التي بشرت بها ، وتكالبا من الأعداء على ضعفنا ، مع ان في الساحة اكثر من سيف للدولة ، و رغم أنه لدينا شعر كثير ، فهو ليس كشعرك ، هو شعر قليل الفاعلية ، ضعيف التأثير ، إلا أقله ، أضف إلى ذلك أننا قوم مهووسون بالخطب الفارغة ، نتحدث اكثر بكثير مما نفعل ، ولهذا فإن سياطك تلهب ظهورنا ، وتتركنا منفصمين :
— فلا نستطيع ان نتجاهل صوتك الجهوري المدوي في قلوبنا وعقولنا معا .
— ولا نستطيع أن نحقق شيئا مما تطالبنا به ، لأننا اضعف من ذلك ، ولعلك قصدتنا ببيتك الشهير ، لأنه ينطبق علينا تماما :
من يهن يسهل الهوان عليه
ما لجرح بميت إيلام لو قدر لك ان تشهد واقعنا المرير ، وهو أكثر مرارة من واقع عصرك...... ..لتفجرت قريحتك بقصائد تأنيب حادة ، ولرحت ترفع صوتك دون تردد ، لتسمع الدنيا ، وأنت مالئها ، محرضا على محاربة أعداء الوطن في الداخل والخارج ، حتى قبل ان تعرف مدى المعاناة التي نكابدها . أبا الطيب ، وأنت فتى العروبة الاول ، نحن نكتوي يوميا بنار الأعداء المتربصين بنا ، ومع كل شجوننا ، ننتظر معركة ( الحدث الحمراء ) مع أعدائك الروم ، وهم الآن أشد أعدائنا سمية ، وأكثرهم طمعا بأرضنا ، معركة ( الحدث الحمراء ) التي ما كنا لنعرف عنها الا القليل ، لولا سيفك وسيف سيف الدولة ، وقصيدتك الخالدة التي لا يمحوها الزمان .
رغم كل ماسبق ، فإن فينا بقية من قيمك تأبى ان نستسلم ، وترفص ان نذل لأعدائنا ، ورغم أننا نعيش بقلة ، وربما بجوع ، فإن أمانينا العميقة هي جزء من نظريتك الطموحة العظيمة الخالدة ، وهي تجري في دمائنا ، ونشعر ان الموت خير من ان نخون رؤاك الثورية ، الشريط الذي لايفارق عيوننا ، نقرؤه كل يوم وفي كل الاوقات .
كلمة اخيرة ابا الطيب الحبيب : أود ان احدثك على انفراد ، وان تسامحني على هذا البوح بحضرتك المهيبة : نحن احفادك نحلم بليلة سمر كتلك التي حولت نظرك عنها بكبرياء ، وهي بصراحة أمنية غالية لدى كثير منا ، ولا نخجل من ذكرها ، لأننا نعاني حرمانا من متع الحياة التي كانت مسفوحة امامك رخيصة فرفضتها انت ، أما نحن فنتمناها …..وأرجو ان لاتغضب ، وان يبقى هذا سرا بيننا .
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي