رحلة ورقة
لم تكن ورقةً عاديةً،
نبتت على غصن شجرة الصفصاف،
مع مئاتٍ من قريناتها.
بل تميَّزت عنهنَّ منذ أن كانت بُرعمًا،
باندفاعها،
واستعجالها لتتفتَّح،
وتنمو،
وتُلاعب النسيم العليل.
وقد كان لها ما أرادت؛
فزَهَت بلونها الأخضر الآخَّاذ،
الذي أضفت عليه أشعة الشمس صباحًا،
مزيدًا من الروعة.
واستحمَّت بقطرات الندى ليلًا،
لتبدو أكثر لمعانًا في اليوم التالي.
فأصبحت غصنها،
قبلةً للعصافير،
تتجمَّع فوقه،
وتترك الأغصان الباقية.
والورقة الشابّة،
تتراقص طربًا،
على تغريدها،
ونشوةً بنفسها.
يزيدها بهاءً،
فراشاتٌ مزركشة الألوان،
تغفو عليها بعد لهوها،
وتنقُّلها من مكانٍ إلى آخر.
والورقة تزداد فتنةً،
وتألقًا،
حتى اغترَّت بنفسها،
معتقدةً أن جمالها لن يذوي.
ولكنها،
رويدًا رويدًا،
بدأت تشعر بالوهن،
والتعب،
كلما هبَّ الهواء.
حتى أتى يومٌ،
واقتلعها نسيمٌ،
أقوى من المعتاد بقليل،
عن غصنها.
فأطلقت تنهيدةَ ألمٍ،
جعلت كل الأوراق،
تعزف سيمفونية وجعٍ عليها.
ويَقوى حفيفها،
وكأنها تزفُّها،
إلى التشرُّد،
على دروب خريف العمر.
تهاوت،
كطائرٍ جريح،
وما إن لامست الأرض،
حتى عاد الهواء،
وحملها إلى مكانٍ آخر.
وهكذا،
استمرَّت في الترحال،
حتى استقرَّت،
في قعر وادٍ،
جعلها تدرك أن عمرها،
قد شارف على الانتهاء.
وقبل أن تلفظ أنفاسها الأخيرة،
وينهمر المطر بغزارة،
ويبتلعها تراب الوادي،
مرَّ شريط عمرها سريعًا أمامها.
فانكمشت على نفسها،
معترفةً بضعفها،
أمام جبروت الأيام.
وأسلمت الروح،
متغلغلةً في أعماق الأرض،
طالبةً الغفران،
عن كل لحظةٍ
أعجبت فيها بنفسها.
وتباهت بقوَّتها.
فقطار العمر،
كان أسرع مما توقعت.
وتجبُّره،
لم يرحم ضعفها،
وقلَّة حيلتها.
وأدركت متأخرةً،
أن العمر يمضي،
على غفلةٍ منا.
ولا نستفيق لنُدرك ذلك،
إلا ونحن على أهبَّة الرحيل.
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي