
“الهُويّة المفقودة والانتماءات المتعدّدة” عنوانٌ يحمل في طيّاته الكثير من الأسئلة، ويعكس واقع عصرنا المأزوم. تطرح الكاتبة هدى معدراني في كتابها هذا إشكاليات متعدّدة، تتعلّق بكيفيّة حفاظ الإنسان على هويّته وسط تعدّد الانتماءات، التي قد تُفضي إلى ضياع الهُويّة أو تآكلها.
تُشكّل الهُويّة إحدى الركائز الأساسية في بناء الإنسان، وهي مجموع الخصائص والمعتقدات والقيم التي تعرّف الفرد. يقول إدوارد سعيد في كتابه “الثقافة والإمبريالية”: “الهُويّة ليست معطى ثابتًا، بل هي بناء اجتماعي يتشكّل عبر الزمن”. ومن هنا، انطلقت معدراني إلى اختيار الهُويّة كمدخل لدراسة مجموعة من الروايات.
تنوّعت المتون الروائية المختارة، وهي:
“شريد المنازل” لجبور الدويهي،
“في بلاد الدخان” لهدى عيد،
“قيد الدرس” لِلنا عبد الرحمن
“فاقد الهُويّة” لحنان فرحات.
تمثّل هذه الروايات الواقع اللبناني وتُسلّط الضوء على تعدّد الانتماءات، وعلى الهُويّة اللبنانية المأزومة، كما تناول بعضها القضية العربية الضائعة والهُويّة الفلسطينية.
الكتاب مؤلف من 241 صفحة، وقدّم له الدكتور فيدوح، الذي أشار إلى القضايا المطروحة وقدرة الكاتبة على تسليط الضوء على ما يعانيه الفرد داخل المجتمع. كما نوّهت الكاتبة في مقدّمتها إلى أهمية وحدة الشعب والتركيز على الهُويّة الوطنية بعيدًا عن الانتماءات الحزبية.
في الرواية الأولى “شريد المنازل”، ركّزت الكاتبة على شخصية “نظام”، وهو اسم عربي لشخص وُلد لأبوين مسلمين، وتربّى في كنف عائلة مسيحية ثم نزح من قريته إلى بيروت، مدينة الطوائف. انضم إلى أحزاب لا تحمل طابعًا سياسيًا صريحًا بل وطنيا ، لكنه ظلّ شريدًا، يتخبّط في هويّة مزدوجة لم تكتمل، حيث لم ينتمِ إلى طائفة محدّدة، ولم يجد ذاته في أي انتماء. حتى انتهى به الأمر مقتولًا على يد أبناء طائفته (المسلمة) لأنه لم ينصَع لأوامرالمتسلح في تحديد هويّته. والمفارقة انه تمّ دفنه في مقبرة مسيحية في منطقة حورا موطن العائلة المسيحية التي ربته ربّما في إشارة إلى التسامح الديني في بعض تجليّاته.
أما في رواية “في بلاد الدخان” لهدى عيد، فقد تم التركيز على شخصية “إبراهيم” وصراعه بين فرنسا ولبنان، وتيهه بين الهُويّتين. كما يقول جبران خليل جبران: “رجعتُ رجوع كلّ لبناني من غربة إلى غربة”. وهنا تظهر شخصيته الرافضة للتبعية فيصر على البقاء في لبنان بينما ترفض زوجته الفرنسية البقاء وتقرر العودة إلى فرنسا مع ابنتهما فرنسواز، ما يُشير إلى استمرار الهجرة من الشرق إلى الغرب عبر الاجيال القادمة ،وتطرّقت الرواية إلى موضوعات عدّة، مثل: قضية ذوبان الآخر، التخلّي عن الوطن والذي ظهر من خلال شخصية (عبد الله ) ، والموت في سبيل الذات مما ادى الى مقتل (عقل) . كما تناولت صعوبة العيش في القرية والحاجة للنزوح نحو المدينة لتحقيق الذات، وأشارت إلى تمايز الغرب وعنصريته تجاه قدرات العرب …
أما رواية “قيد الدرس” للنا عبد الرحمن …. فتتناول شخصيات تعيش في لبنان دون أن تُمنح الهُويّة اللبنانية مثل اهل القرى السبع ، تعيش على هامش المجتمع، وتعاني من أوضاع اقتصادية وثقافية صعبة. فتغيب العدالة، وتسيطر العشائر،مؤكدة ان لبنان بلد طائفي لا يحكم الا بالتسويات والتوازنات الطائفية …
وفي رواية “فاقد الهُويّة” لحنان فرحات، تتحدث الكاتبة عن إنسانٍ تخلّى عنه وطنه ومجتمعه، فتاه بين اللجوء وضياع أوراقه الثبوتية لبناني ذهب الى فلسطين وأضاع اوراقه الثبوتية وعاد الى وطنه وعاش فيه لاجئا . كما تسلّط الرواية الضوء على الفلسطيني الذي يُرفَض من الآخر، حتى في الزواج، لمجرد كونه فلسطينيًا…
في الختام، تُبرز الكاتبة هدى معدراني من خلال تحليل الروايات الأربع أزمة الهُويّة اللبنانية والفلسطينية من زوايا متعددة. وتؤكّد أن الطائفية في لبنان هي السبب الجذري لتأزّم الهُويّة اللبنانية. وبالتالي تكون د.معدراني عكست الواقع من خلال بحثها مؤكدة أنّ الأدب لا ينفصل عن واقعه بل هو سرد وصدى للواقع .
ختامًا، تبقى القضية الفلسطينية قيد الدرس عربيا ودواليا كما في الروايتين: “قيد الدرس” و“فاقد الهُويّة”، حيث الأبناء بلا وطن… وبلا هُويّة.
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي