(أيامٌ حُبلى والقابلات المرتجفات-بقلم منار السماك)
تأملٌ ساخر في زمنٍ متورّم بالأحداث، ينتظر ولادةً لا أحد يعرف شكلها
الأيام حُبلى لا بأس سنوزع السيجار فور الولادة لكن حتى ذلك الحين
دعونا نواصل تناول اللا معنى بملعقة الأخبار ما بين نشرات الطقس، وأسعار
العملات، وتوقعات الأبراج، أخبرونا أن الأيام حُبلى
هكذا دون تحاليل، دون مؤتمرات طبية مجرد تصريح عابر في نشرة مشوشة
الأيام حُبلى بتغييرات كبيرة
وكأن الزمن نفسه قد انزلق في علاقةٍ غير شرعية مع التاريخ، وهاهو ينتفخ، يترنح ويمشي كمن يُخفي سرًّا في بطنه
منذ ذلك الإعلان الغامض، تحوّلت الحياة إلى غرفة انتظار كونية
الجميع يجلس على الكراسي البلاستيكية المهترئة، يحدّق في بابٍ لا يُفتح،
والقابلات إن وُجدن يتصفحن إنستغرام، والزمن يمشي في الممرّ بخطى مثقلة، يرتدي عباءة ملوّثة بالأخبار العاجلة
لم نعد نعرف:
-هل نحضّر لولادة؟ أم جنازة؟
-هل نحمل الهدايا؟ أم نحفر المخابئ؟
-هل نُحضّر الماء الساخن، أم نكتفي بماء الوجه ونغسله من هذه المسرحية؟
الزمن حَبِل ونحن في ورطة
كلما أنجبت الأيام حدثًا جديدًا، نصفق قليلًا، ثم نتحسس جيوبنا، ونعدّ ما تبقى من كرامة أو أمل
ولأننا لم نعد نعرف هل نحن على وشك استقبال مخلّص
أم كائن طفيلي آخر يحمل اسم تحديث مفاجئ للواقع
فقد قررنا جميعًا أن نتعامل مع الأمر كما نفعل مع كل شيء:
نضحك، نسخر، نغلق الهاتف، ونعود إلى تصفّح اللاشيء
حين نصف الأيام بأنها حبلى
فإننا لا نصف الزمن فقط، بل نُسقط عليه ذُعرنا من القادم
إنه مجاز جميل من بعيد، مرعب من قريب
-فمن قال إن الولادة دائمًا خبرٌ سار؟
ربما تلد الأيام عاصفة، أو فكرة خطيرة، أو تطبيقًا جديدًا يسحب ما تبقى من خصوصيتنا.
أحدهم قال لي:
– لا تكن متشائمًا، الأيام حبلى بالخير
قلت له:
–وأين شهادة السونار؟
-هل رأيت الخير في الرحم؟
-أم أنك تخمّن على طريقة الأبراج؟
ضحك، وضحكت
ضحكنا مثل اثنين يعلمان أن القطار لا محطة له، لكنه يستمر
نحن لسنا الأطباء
لسنا حتى الأمهات
نحن فقط جمهور في غرفة الانتظار يختنق بين تنبؤات الطقس ومقالات التنمية البشرية ويقرأ لافتة مكتوب عليها:
الرجاء الصبر، الولادة قريبة ربما
تخيل أن الأيام أنجبت حقيقةً كاملة
هل نحن مؤهلون لاستقبالها؟
هل نعرف كيف نُلبّسها وكيف نُربيها؟
أم نتركها تصرخ وحدها فيما نعود لنحدّث تطبيقاتنا بلا اكتراث؟
لقد اعتدنا العيش في حملٍ دائم، انتظارٍ دائم
صرنا نُجيد الاستعداد أكثر من المواجهة
ونُفضّل المخاض الدائم على لحظة الميلاد
كأن العالم كله أصبح فيلمًا طويلًا لم تكتمل كتابته
كأننا لا نريد للنهاية أن تأتي لا سعيدة ولا حزينة
نريد فقط أن نبقى في حالة ما قبل الحدث حيث لا شيء مؤكد، ولا شيء مطلوب.
نحن في انتظار ولادة لا نعرفها
الأيام في شهرها التاسع ربما العاشر لا أحد يعرف
الزمن نفسه يبدو مرتبكًا، يمشي جيئة وذهابًا في ممر المستشفى، يُراجع أسماء المواليد المقترحة:
– أزمة مناخية؟
– انفجار تكنولوجي؟
– نهضة روحية؟
– عودة الأشياء التي لم نرَها أصلًا؟
وفيما نحن ننتظرقد نسمع طَرقًا خفيفًا على بابنا نفتح فنجد طفلاً، ملفوفًا بلُفافة الأيام
ينظر إلينا ويقول:
مرحبًا، أنا القادم الذي كنتم تخشونه
أو تأملونه أو تسخرون منه
-فماذا سنقول؟
-هل نرحب به؟
-أم نغلق الباب ونعود إلى كرسي الانتظار حيث السخرية دافئة
والمجهول… مؤجل.