ثلاثة لصوص
في مملكة القلب الشاسعة، حيث تتجلى أروع قصص الحب والنقاء، كانت هناك مدينة بهية، شيدت أسوارها من الثقة، وسقفت أسطحها بضياء الفهم المتبادل.
في هذه المدينة العامرة، عاش فيها عمر وسوسن، روحان توأمان، جمعتهما صلة تفوق كل وصف، كانت ضحكاتهما ترن في أرجاء المدينة كأجراس الفرح، وعيونهما تتبادلان لغة لا يفهمه سوى العشق الصادق ،ونقاؤهما يضاء، بصفاء النوايا وصدق المشاعر.
لكن، لم تكن تلك المدينة بمنأى عن الأخطار، ففي الظلال الكامنة، تربص لهما “ثلاثة لصوص” ماكرون، لا يحملون أسلحة ظاهرة، ولا يهاجمون بضجيج، بل يتسللون كالهواء، يتغلغلون في أضعف الشقوق، ويشيعون الفوضى بصمت مرعب.
كان اللص الأول هو “سوء الفهم”. يتسلل كهمس خافت، يغير نبرة الصوت في الأذن، ويبدل معنى الكلمة في الذاكرة. همسة بريئة من عمر، قصد بها مزاح خفيف، تحولت على يد سوء الفهم إلى طعنة باردة في قلب سوسن. وسوس اللص الأول: عمر لم يقصد ما قاله، بل عنى شيئا آخر أبشع!” .
أما اللص الثاني، فكان “سوء التصرف”. هو مجرد رد فعل خاطئ، ناتج عن تراكمات سوء الفهم.
حينما شعرت سوسن بلسعة كلمة عمر ، انسحبت إلى صمتها ، وهذا الانسحاب كان تعبيرا عن ألمها، استغله سوء التصرف ليظهره لعمر كبرود، كإهمال وعدم اهتمام، حينها أصبح صمت سوسن ردا قاسيا في نظر عمر، وشرع قلبه في الانغلاق.
وجاء اللص الأعظم، الأكثر خبثا وفتكا، “سوء الظن”. هذا اللص لا يهاجم مباشرة، بل يبني حصونا من الشك في العقول. يقتات على ما يزرعه سوء الفهم وسوء التصرف. “لماذا تأخر؟ بالتأكيد لا يهتم. لماذا صمتت؟ حتما لديها نية سيئة.” هكذا يهمس سوء الظن في أذنيهما، ليحول كل فعل بريء، وكل كلمة عابرة، إلى دليل إدانة لا يقبل الشك.
تحولت مدينة القلب البهية إلى حطام، أسوارها انهارت، وانطفأ ضياء الفهم .
عمر وسوسن، اللذان كانا من “أنقى الأشخاص” الذين وطأت أقدامهما أرض الحب، وجدا نفسيهما غرباء في مدينة كانت يوما بيتهما. تلاشت أعمق العلاقات، تلك الروابط الروحية التي لا ترى بالعين، بل تحس بالقلب. كان زوالها بلا صوت، بلا دوي، مجرد ذوبان بطيء كالجليد تحت شمس صيف حارقة.
لقد ظلم تلك اللصوص الثلاثة حبا كان يمكن أن يكون خالدا. ظلمت روحين كانتا تتوقان لبعضهما البعض. ياللعجب لم يكن هناك عدو خارجي، بل كان العدو يسكن بين تفاصيل الحياة اليومية، يتغذى على الثغرات الصغيرة، حتى أصبحت فجوات عميقة ابتلعت كل جميل.
في نهاية المطاف، وقفت الأطلال شاهدة على ما فعله “اللصوص الثلاثة”: سوء الفهم الذي أعمى البصيرة، وسوء التصرف الذي أبعد القلوب، وسوء الظن الذي سمم الأرواح.
غادرا عمر وسوسن، كل في طريقه، تاركين وراءهما تساؤلات حزينة تتردد صداها في جنبات المدينة المدمرة: كم من نقاء يضيع، وكم من حب يندثر، عندما تفتح الأبواب للصوص الثلاثة.