الشيخ محمد السنراوي… سعة الصدر وملامح الأبوة في زمن التواضع
بعد تعييني في وزارة الأوقاف بمحافظة الفيوم، كان شغلي الشاغل وهمّي الكبير أن أُحوّل عملي إلى محافظة القاهرة، لأتمكن من حضور ندوات الشعر والثقافة التي كانت تشغلني وتشعل في داخلي نار الشغف.
في تلك الفترة، كانت تربطني علاقة طيبة بالشيخ محمد السنراوي، الذي كانت كلمته مسموعة ومحترمة، فهو رئيس لجنة الإخاء الديني ومؤسسها، وكان مستشارًا لمحافظ الفيوم آنذاك الدكتور سعد نصار، عميد كلية الزراعة السابق بالفيوم، ومستشار الدكتور يوسف والي وزير الزراعة الأسبق.
ضمّني الشيخ السنراوي إلى لجنة الإخاء الديني، التي كانت تضم كبار المسؤولين في المحافظة: محافظ الفيوم، ومدير الأمن، والأنبا إبرآم، وغيرهم من الشخصيات العامة. وكنتُ آنذاك أصغر الحضور سنًا، وربما كان غيري يرى في اللجنة طريقًا إلى الوجاهة أو وسيلة للوصول، بينما كنت أراها قيدًا وسجنًا كبيرًا يبعدني عن حلمي في القاهرة، حيث الشعر والثقافة والندوات.
طلبتُ من الشيخ محمد السنراوي أن يساعدني في نقل عملي إلى القاهرة، فاقترح عليّ السفر إلى الخليج (الإمارات أو السعودية)، وكانت تربطه علاقة طيبة بالشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله. لكني أصررت على الانتقال إلى القاهرة، فقد كان هو الحلم ولا شيء سواه.
وذات يوم، كان اجتماع لجنة الإخاء الديني بمبنى المحافظة، والجميع في انتظار حضور المحافظ الدكتور سعد نصار. وحين دخل القاعة، وقف الجميع احترامًا له، إلا أنا، فقد بقيت جالسًا دون قصد التقليل من شأنه، بل من فرط ما كنت أحمل من رغبة في الرحيل وضيقٍ بالمكان.
كان المحافظ متواضعًا، فمرّ على الحضور وسلم على الجميع، حتى وصل إليّ، فكان سلامي جافًا ووجهي بعيدًا عن وجهه.
وبعد انقضاء الاجتماع، أخذني الشيخ السنراوي إلى مكتبه وعاتبني على تصرفي، وكان محقًا في عتابه. فقلت له صراحة:
> “يا شيخ، أنا لا أريد الفيوم، ولا المحافظ، ولا شيئًا هنا، إن كنت تحبني فعلاً، فساعدني في الانتقال إلى القاهرة.”
ضحك الشيخ وقال لي مازحًا:
> “لازم أنقلك عشان أرتاح منك، أنت فقر!”
كانت كلماته تلك تمزج الحنان بالعتاب، والسخرية بالأبوة. لقد تحملني الشيخ بصدر واسع، وساعدني بالفعل، وكان لي سندًا وأبًا قبل أن يكون مسؤولًا أو رئيسًا للجنة.
أقول هذا اليوم لأُظهر سعة صدر الكبار الحقيقيين، وكيف تكون القيادة حين تمتزج بالحكمة والتواضع والإنسانية.
فالشيخ محمد السنراوي لم يكن مجرد مسؤول أو رجل دين، بل كان نموذجًا للرجل الذي يحتوي الشباب، ويهذب طموحهم دون أن يُطفئه، ويعلّمهم أن الطريق إلى الأحلام لا يمر إلا بالصدق والصبر والاحترام.
___
كان الشيخ محمد السنراوي صديقًا مقربًا من كبار العلماء والقيادات الدينية في مصر، إذ جمعته صداقة وثيقة بكل من الشيخ محمد متولي الشعراوي، والدكتور أحمد عمر هاشم، وشيخ الأزهر جاد الحق علي جاد الحق، والدكتور يوسف والي، وغيرهم من رموز الفكر والدين.
توفي الشيخ السنراوي 2008
عليه من الله الرحمات
*ناصر رمضان عبد الحميد
عضو اتحاد كتاب مصر
رئيس ملتقى الشعراء العرب